يوسف الحمدان (أبو العبد)
يوسف الحمدان العبد والملقب “ابو العبد علم” من آل طميش في حي المحاجنة بأم الفحم , من ابطال ثورة 1936 في فلسطين عامة ومنطقة ام الفحم خاصة , ولد حسب كل الدلائل في عام 1899 إذ انه عندما استشهد كان عمره اربعين سنة ، لا نعرف شيئا عن نشأته الأولى سوى أنه كان يتيم الأب ، في الثلاثينيات انضم الى عصبة الشيخ عز الدين القسام وخاض العديد من المعارك والاشتباكات مع القوات الانكليزية المستعمرة , وشهد له العدو قبل الصديق بالشجاعة والاقدام , حتى كان استشهاده في آخر معارك الثورة في منطقة ام الفحم ومرج ابن عامر في العام 1939.
انضوى الشهيد يوسف الحمدان في الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936 في بداياتها الاولى ,حيث كان ثوار ام الفحم وفصيل “البطيمات” بقيادة حديث الوراد من اهالي قرية البيار ,ملتحقون بفصيل الشيخ القسامي فرحان السعدي ومن بعده الشيخ عطية محمد عوض ليلتحقوا بعد استشهاده في معركة اليامون ,بقيادة القائد يوسف ابو درة قائد منطقة جنين ,وبقيت كذلك تعمل تحت امرته حتى تشكل في ام الفحم فصيل مستقل بقيادة بعض ابناءها المجاهدين وهم علي الفارس محاميد واخيه احمد الفارس محاميد ويوسف الحمدان محاجنه.
وعن ظروف تشكيل هذا الفصيل الفحماوي المستقل ,يذكر الفحماويون ان مشاكل وخلافات برزت بين ثوار ام الفحم وبين يوسف ابو درة – ابو العبد – لدرجة انه مُنع من التواجد في ام الفحم , بعد ان كان القائد غير المنازع في جميع منطقة جنين, وكان يوسف الحمدان يعمل مساعدا له, وجاء في احدى الوثائق الموجهة الى قائد الثورة آنذاك عبدالرحيم حاج محمد – “ابو كمال” – ان ثوار ام الفحم وقرى رمانة ويعبد وعرابة اتفقوا على العمل ضد ابو درة قائد منطقة جنين .وهكذا تم تشكيل فصيل مستقل , وقف على قيادته الشهيد احمد الفارس وشقيقه علي الفارس محاميد ويوسف الحمدان محاجنه كما اسلفنا , وانضم اليهم احمد اسعد عزام جبارين واحمد ابو حلوة وعبد الوهاب مصطفى عثمان (مشيرفة) وتوفيق الصالح وخليل الصالح جبارين وغيرهم من الثوار الفحماويين .
شارك ثوار ام الفحم وفي مقدمتهم يوسف الحمدان بمعارك الثورة منذ بداياتها , وخاضوا المعارك الكبرى قبل وبعد وصول القائد العربي – المثير للجدل- فوزي القاوقجي , وشارك “ابو العبد”(يوسف الحمدان) في اولى معارك الثورة تحت قيادة القاوقجي , “معركة بلعا الثانية” في 3-9-1936 وابلى فيها بلاء حسنا.(انظر تفاصيلها في مقالنا في موقعي “امد للإعلام” وفي موقع “برق نت”).
“وزع القاوقجي القوات على ارض المعركة :المفرزة العراقية بقيادة “جاسم الحسين” ,المفرزة الدرزية بقيادة “حمد صعب” ويعاونه “محمود ابو يحيى”, والمفرزة الحموية – الحمصية بقيادة “منير الريس” , والمفرزة الشامية – الشرق اردنية بقيادة “محمد الاشمر” فالمفرزة الفلسطينية بقيادة “فخري عبد الهادي وعبد الرحيم حاج محمد والشيخ توفيق من علار , اضافة الى الشيخ فرحان السعدي والعريف يونس ومحمد الصالح (ابو خالد) والشيخ عطية احمد عوض ويوسف الحمدان ,وانيط بالمفرزة الفلسطينية حراسة جبل المنطار, : “فقد تقصدت ان لا اجعلهم في خط النار , يجابهون صدمة عنيفة ويجبرون على مجابهة الاسلحة الميكانيكية الفتاكة طيلة النهار, وذلك لعدم اعتيادهم على هذا النوع من الدفاع”- وفقا للقاوقجي .
بدأت المعركة صباح 3-9-1936 , ولم يكن الانكليز يتوقعون مثل هذه المفاجأة , فكانت الاصابات منذ اللحظة الاولى”, ودخلت الطائرات المعركة , بلغ عددها تسع طائرات وفقا لمذكرات القاوقجي12 , و8 طائرات وفقا للبلاغ الذي اصدره القاوقجي عن المعركة وحمل رقم 3 , و15 طائرة وفقا لصحيفة فلسطين , وقد استطاع الثوار اسقاط 3 منها, وخاض الثوار معارك عظيمة, استبسل فيها القادة الشيخ محمد الاشمر والمجاهد الدرزي حمد صعب وقادة المفرزة العراقية, اضافة لاستبسال المفرزة فلسطينية بقيادة الشيخ فرحان السعدي حيث “جرت معركة عظيمة بين بعض النجدات وبين مفرزة شيخ المجاهدين “فرحان السعدي “استبسل فيها المجاهدون ايما استبسال”. انتهت المعركة “بفوز المجاهدين على المستعمرين ,وبفوز الايمان والارادة على الظلم وقوة الميكانيك, فوزا باهرا لا يقدر قيمته, ولا تأثيره ونتائجه , الا الاجيال المقبلة”, حسب اقوال القاوقجي.
وقد انشد الفلاحون الفلسطينيون الاهازيج والاغاني بهذا النصر في بلعا قالوا فيه :
بين بلعا والمنطار صار اشي عمره ما صار
واضاف الفحماويون عليه قولهم :
اسروا ابو العبد علَم هلي علم الثوار
حبسوه في حاووز المي ومن حاووز المنطار
اشارة الى وقوع يوسف الحمدان بالآسر وزجه بمعتقل عتليت كما سيأتي معنا ذكره لاحقا.
ثم شارك ابو العبد في اول معركة فحماوية ضد الانجليز وهي المعركة التي يطلق عليها الفحماويون اسم “معركة عين الزيتونة” او “معركة خلة الحمارة” , لوقوعها في هذه المنطقة الفحماوية الواقعة على شارع وادي عارة الرئيسي, والتي اطلق عليها د. محمد عقل اسم “معركةالموابر وخلايل التفاح” واطلق عليها القيادي الفلسطيني نجيب الاحمد “معركة ام الفحم”.
“مرت صباح يوم 12-9-1936 دورية – انجليزية – مؤلفة من ثلاث سيارات كبيرة مملؤة بالجند فهاجمها الثوار المتحصنون في الجبل الجنوبي واطلقوا النار عليها بكثافة, “ولكن السيارات قفلت راجعة بسرعة , دون ان تجاوب طلقة واحد, حسب اقوال القاوقجي . ومع انسحاب القوات الانكليزية ,حضرت طائرات حربية على ارتفاع قليل جدا وأخذت تطلق النار من رشاشاتها على مكامن الثوار , يذكر ان احد المحاربين الفحماويين يدعى – علي الطرشة , اصابته الطائرة ” بأكثر من عشرين رصاصة ” الا انه نجا من الموت المحتم . ويروي شهود عيان ان احدى هذه الطائرات اخذت تغير على ارتفاع منخفض , مطلقة رصاصها على الثوار الذين اتخذوا اشجار الزيتون غطاءً ومخبأً لهم , ويقال ان احد المقاتلين – سامي مصطفى الاحمد (من رمانة) – صاح بالثوار ان يفترشوا الارض واخذ يطلق النار باتجاه الطائرة, “وتمكنا من اسقاطها بعيدا عنا”. ويروي الكاتب خضر العلي ان الشيخ “محمدا لأشمر” (السوري) امتطى صهوة جواده وشهر سيفه من غمده وهجم لناحية العدو فكان اقدامه هذا يدعو للإكبار حقا وقمينا بالإعجاب”. ثم كانت مشاركة الشهيد ابو العبد فيما يُعرف بأدبيات الثورة الفلسطينية باسم: “معركة ام الفحم” (معركة المدرسة بلسان الفحماويين) في 30-1-1938م , والتي أذاق فيها الفحماويون ومن شاركهم بالفزعة من ابناء القرى المجاورة , القوات الانجليزية مرارة الانكسار والهزيمة , ما دفعها الى أتخاذ ام الفحم مقرا لقواتها لمحاصرة الثوار والثورة. ويذكر ابناء ام الفحم ذاك اليوم الذي حدثت فيه المعركة ويتحدثون عنه كما وكأنه حدث في الامس القريب, البعض يروي القصة ببعض المرح المجبول بالاسى والبعض الاخر يذكرها بتأوه وحسرة , الا ان جميعهم يروونها بفخر واعتزاز , كيف لا وهذه هي المعركة التي شاهدوا فيها المستعمر الانجليزي يفر مهزوما امام الثوار , “يبحث عن الملجأ عند النساء وفي الطوابين” .
“كنا يومئذ في المدرسة ندرس , واذا بأحد المعلمين يدخل علينا الصف ويطلب منا ان نغادر لان الانجليز قرروا ان يتخذوا المدرسة مقرا لهم ومعسكرا لقواتهم في ام الفحم” , هكذا حدث من عاصروا الواقعة , فغادر الطلبة المدرسة وذهبوا ليستطلعوا الامر , وقد تجمعت الناس على التلة التي يتواجد عليها الان بيت السيد طلحة جبارين, وشاهدوا القوات الانجليزية وقد حملت معداتها ومدافعها وسلاحها على “حمير قبرصية” , اذ انه لم تكن هناك ,لا شوارع ولا سيارات في ذاك الوقت . ولما وصلوا قرب بيت حلمي شفيق الموسى ( اليوم) -في منطقة الكينا – اجبروا بعض الاهالي على حمل أمتعة الجنود ومعداتهم , وبدأ الجنود المسير باتجاه المدرسة. في هذه الاثناء كان الثوار بقيادة يوسف الحمدان وعلي الفارس والشيخ عطية احمد عوض والشيخ يوسف ابو درة قد انتشروا في البلدة, ووقف قسم منهم في منطقة الميدان – اليوم- وبدأوا بأطلاق النار على الجنود الانجليز الذين بلغ عددهم ما بين 300-400 جندي.
“طبعا, الانجليز معهم سلاح افضل من سلاح الثوار” ,فبدأوا بملاحقتهم , فسار قسم منهم باتجاه الست خيزران حيث انسحب الثوار , وسار قسم آخر باتجاه المدرسة , مارا عن طريق البلدية .
وما ان بلغت القوات الانجليزية بيت السيد طلحة ,حيث كان الثوار قد نصبوا كمينا للإنجليز بين اشجار الست خيزران , حتى صاح احد الثوار بالناس ان يبتعدوا ,واخذوا بإطلاق النار على الانجليز , ويروى ان بعضا لثوار كان يطلقون النار باتجاه الانجليز من خلف “مواشي السيد مروح السكران ” حتى قيل ان هذه الماشية انقذت الثوار.
“واستمر الثوار بانسحابهم والانجليز من ورائهم حتى بلغوا المدرسة , وهناك كانت فرقة اخرى من الثوار قد نصبت كمينا لهم , وما ان وصلت القوات الانجليزية حتى فتحت عليهم النار من عدة اتجاهات فسقط الكثير منهم بين قتيل وجريح . وتشتت جمعهم واخذوا يولون الادبار باتجاه البيوت بحثا عن مخبأ لهم. واشتبك الثوار مع القوات الغازية في معركة “حامية الوطيس استمرت ثماني ساعات …واستولى الثوار والاهالي على اسلحة حربية وافرة … وحدث المعاصرون – ان الثوار الكامنين على جبل الست خيزران بدأوا بقنص الجنود الانجليز واحدا تلو الاخر , فغضب قائدهم وقرر الصعود بنفسه الى الجبل فقنصه الثوار وعلى رأسهم احمد اسعد عزام – ابو تيسير ,فأصيب هذا الضابط وأخذ “يشخر” حتى الموت. وقد شارك اهالي القرى المجاورة بالمعركة – الفزع-ومنهم ثائران من يعبد , عرفهما الاهالي باسمي : “ابوالللك” و”العرنيطي” – وفقا لاحدى رواتنا , مضيفة انا لقائد الانكليزي بعد انتهاء المعركة حضر لبيت المختار وقالله انه عرف اسماء بعض الثوار ويريد مساعدته للاستدلال عليهم , وقال له ان اسم احدهم “يعبد” , فقال له المختار ان هذا اسم بلدة جاء بعض ثوارها ليفزعوا لاهل ام الفحم وليس اسم شخص معين. وروى اخرون من اهلنا ان بعض الجنود دخلوا للاختباء في بعض الطوابين عند النساء , حتى يروى ان جنديا دخل الى احد هذه الطوابين وفيه احدى النساء واثناء دخوله مشيا الى الوراء , كوته بنار الطابون ,فولى هاربا. وبحلول المساء انتهت هذه المعركة مخلفة ورائها ما بين20-30 قتيلا انجليزيا حسب رواية الاهالي ,ولم يصب احدمن الثوار ,حسب روايتهم , رغم انه سرت اشاعة بأن يوسف ابو درة اصيب فيها, ولكنها كانت مجرد اشاعة. وانسحب الانجليز مرغمين “وهم يجرون اذيال الخيبة والانكسار , اما الثوار فقد انسحبوا دون ان تقع بين صفوفهم اية اصابة وبعد ان سجلوا نصرا رائعا , وقد كانت جولات رائعة للقائد يوسف الحمدان لا بد من ذكرها انصافا للحق”.
اقوال المجاهد صبحي ياسين:
فيما كتب القيادي الفلسطيني اكرم زعيتر في يومياته ان القتال استمر قرابة 8 ساعات استخدمت فيه مدافع جبلية وطائرات قاذفة, واستشهد خمسة مجاهدين وجرح ثمانية . ويضيف زعيتر ان :”اصابات الجيش (الانكليزي)جسيمة دلت عليها سيارات الاسعاف التي ظلت تغدوا وتروح حاملة القتلى والجرحى . وفي البلاغ الرسمي(الانكليزي) اعلن المندوب السامي اسفه لمقتل جنديين بريطانيين وجرح اثنين فيهما ضابط”. ….ومن المعارك الاخرى التي شارك فيها الفحماويون بما فيهم الشهيد ابو العبد , سواء بالعمليات العسكرية او بتوفير الملجأ والمأوى للثوار اثناء انسحابهم , نذكر “معركة اليامون” 3-3-1938م , حيث كانت القوات البريطانية وبعد هزيمتها النكراء في معركة ام الفحم ,قد قررت الانتقام من الثوار فتجمع ما يزيد عن 3000 جندي انكليزي مدججين بالسلاح والدبابات والمدرعات تساندهم الطائرات بفرض طوق محكم من جبل اسكندر لغاية قرية اليامون , بهدف تصفية الثوار الذين اتخذوا من هذه المنطقة منطلقا لهم. بدأت المعركة عند العاشرة من صباح يوم 3-3-1938 :”بعد نجاح القوة البريطانية في فرض طوق حول مواقع الثوار استمر حتى حلول الظلام , عندما استطاع الثوار فتح ثغرة ومن ثم الانسحاب, وقد اشترك فيها حوالي 3000جندي بريطاني بالاضافة الى مفرزة من قوات الحدود الاردنية وتسع طائرات استدعت بعد 15 دقيقة من بداية الاشتباك مقابل 300 ثائر فلسطيني, وقد اعترفت القوات البريطانية بجرح ضابط ومقتل جندي وجرح آخرين واصابة 5 طائرات اصابات طفيفة كما ادعت قتل 60 ثائر او اسر 16 آخرين .اما الثوار فقد اعلنوا من جانبهم عن استشهاد تسعة كان احدهم الشيخ عطية احمد عوض قائد الثوار , بالاضافة الى اكثر من ثلاثين مناضلا من النجدات العربية وسقوط عدد كبير من الجرحى, كما اعلنوا عن مقتل وجرح اكثر من 70 بريطانيا”.
ويضيف المؤرخ العسكري الفلسطيني رجب الرضيع ان بريطانيا حاولت من خلال هذه المعركة – معركة اليامون – مفاجأه الثوار والقضاء على قيادة الثورة في المنطقة باستدراج اكبر عدد من المقاتلين والقوات المحلية , واستطاع الثوار الصمود على جبهة طولها كيلومترين ، من جبل اسكندر في ام الفحم وحتى اليامون . ونقلت صحيفة “دافار” (6-3-1938) تفاصيل المعركة معقبة عليها بالقول : “يبدو ان معركة يوم الجمعة – بعد الظهر- هي الاكبر منذ اندلاع الثورة” , واضافت الصحيفة ان من بين الاسرى مناضل عربي من السودان تم اسره وبحوزته بندقية المانية و50 رصاصة. ويذكر احد المعاصرين لتلك الفترة من ابناء ام الفحم انه تم نقل رفات الشهداء الى جنين . ويضيف ان قائد الفصيل الفحماوي يوسف الحمدان اوكله باعداد العدة للانتقام من الانجليز اثر معركة اليامون :
“اوكل الي قائد الفصيل يوسف الحمدان مهمة الاستطلاع ومن داخل المعسكر- البريطاني الذي اقيم على ظهرة الشيخ (جبل اسكندر) , ارتديت ملابس العمل البسيطة وفوطة العمل على صدري وحملت عدة العمل والسندان ووليت وجهي صوب المعسكر ووصلت باب المعسكر”. الا ان امر هذا الفحماوي سرعان ما انكشف , “وعلى الفور جلبوا عشرات الزعماء العائليين والشخصيات الى المعسكر واعلنوا ان أي هجوم للثوار سيعقبه قتل المحتجزين ثم هدم القرية وحرق الاخضر واليابس ” ..
ولما كان الثوار على علم بالحقد الذي يملأ قلب القيادة البريطانية وتصيدهم الفرص للانتقام من اهل ام الفحم ثأرا لمعركة ام الفحم قبل عدة اشهر, فقد تقرر العدول عن القيام بهذه العملية الانتقامية لمعركة اليامون . وكان لاعتقال يوسف الحمدان بعد مدة قصيرة من معركة اليامون عاملا آخرا في تأجيل الانتقام من القوات الانجليزية كما كان مقررا , فقد نجحت القوات الانجليزية من اعتقاله قرب “الخضيرة” وتم ايداعه في سجن عتليت , الا انه وخلال عمله خارج السجن استطاع الهرب ليلتحق مجددا بالثوار , ونقل “شلومو بن الكنا” في كتابه – “قصة تحقيق” ان اشاعات سرت حينها ان هروب يوسف الحمدان تم “بالاتفاق” مع مدير السجن الضابط “كلمان كوهين” لقاء تسليمه يوسف ابو درة , الا ان الحمدان تحايل عليه ونجح بالافلات والانضمام للثورة ,ليشارك بمعاركها حتى استشهاده في اواخر الثورة – 1939. لم تطل مدة حبس يوسف الحمدان في “حاووز” عتليت, فقد استطاع الافلات والهرب لينضم مجددا للثورة وليقود عملية الهجوم على مستوطنة “جفعات عادا” في10-7-1938 والتي قال عنها المؤرخون الاسرائيليون انها : “من اجرأ العمليات التي نفذها رجال العصابات طوال فترة الاحداث”. تلت عملية جفعات عادا, معركة اخرى حدثت في منطقة ام الفحم وهي المعركة التي عرفت باسم “معركة رمانة” ( 16-8-1938) رغم انها حدثت فعلا في قرية الطيبة التابعة لام الفحم .
وقد ذكر اكرم زعيتر هذه المعركة في كتابه “الحركة الوطنية الفلسطينية 35- 1939” قائلا :
” وتلخص معركة رمانة في ان القوات -الانجليزية-طوقت قرى ام الفحم وعانين ورمانة وعرعرة وسيلة الحارثية و اليامون , فاصطدم بها المجاهدون في الطيبة واستمرت المعركة اربع ساعات , واستشهد منهم سبعة ابطال وجرح ثلاثة , اما الجند فقد قيل ان عدد قتلاهم يربو على الاثني عشر قتيلا ” .
و”كرد فعل لما حدث في الطيبة-ام الفحم- ورمانة ,قامت مجموعة من فصيل يوسف ابو درة بقيادة يوسف الحمدان وعدد كبير من الثوار (قرابة المائة) من ام الفحم وقراها وكفر قرع (عرفنا منهم المرحوم مصطفى عرباصي) ومن عين غزال (ومنهم سليم الصعبي) بنفس ليلة 16-17-8-1938 باقتحام سجن عتليت , حيث تمكنوا من تحرير قسم من المعتقلين العرب ومن اختطاف ضابط السجن “موشيه لازاروفيتش” – ابو موسى- وزوجته واخيها واولاده الثلاثة, وضابط شرطة عربي (انعام جابر) , بعد تلقيهم المساعدة من بعض رجال الشرطة العرب الذين كانوا يخدمون في المعسكر, وفتحوا لهم الابواب , فيما وجه احد الضباط العرب من عائلة غريب امرا لرجال الشرطة العرب عدم اطلاق النار على الثوار المهاجمين , ليمكنوهم من اقتحام المعسكر … وقد اطلق ابو درة سراح الاولاد بعد 7 ايام حيث قامت بعض نساء قرية الغبيا التحتا العربية باعادة الاطفال ومعهم رسالة من القائد ابو درة لمختار مشمار هعيمق ينبئه فيها “ان العرب لا يقتلون الاطفال” , وقد البسوهم اللباس العربي – دمايات- واوصلنهم حتى مدخل مشمار هعيمق سالمين ,اما الباقون فقتلوا في ظروف غامضة …واستطاع الضابط بن الكنا – الذي اطلق عليه الفلاحون اسم ابن كنعان – بعد مشوار بحث طويل خلال سنوات الحكم العسكري زار خلالها ام الفحم وقراها وقرى اخرى في منطقة المثلث والساحل – التوصل الى مكان دفنهم قرب قرية “عين حوض” …..
شارك ابو العبد والثوار الفحماويون في معركة ام الدرج في 11-9-1938 بقيادة يوسف ابو درة حيث “دارت رحى معركة حامية اتسعت حتى شملت مساحة طولها 12كم واستمر القتال مدة ثماني ساعات التحم خلالها الثوار بالسلاح الابيض مع الاعداء”, ويضيف صبحي ياسين : “ومن الحوادث التي تُذكر لابطالنا بكل فخر واعجاب , ان القائد يوسف الحمدان ضرب القائد الانكليزي بالسيف في تلك المعركة ففصل رأسه عن جسمه” , وقد اشتهر يوسف الحمدان باستعمال السلاح الابيض بالمعارك”. اضافة الى هذه المعارك فقد شارك الفحماويون الملتحقون بالثورة بالعديد من المعارك مع قوات الاستعمار الانجليزي , ومنها معركة الجعارة , وذكر احد الثوار الفحماويين ( توفيق صالح اسماعيل جبارين) , ان فصيل يوسف الحمدان شارك في هذه المعركة حيث اشتبك اثناء عودته من حيفا عن طريق ام الزينات ” فنصب الانجليز كمينا للثوار وحدث اشتباك استمر قرابة ثلاث ساعات ,ومررنا ولم يصب احد بأذى “.
وشارك فصيل يوسف الحمدان والاخوين فارس ومعهم ثوار ام الفحم في معركة اجزم , التي استشهد فيها 12 ثائرا وكانت الطائرات الانجليزية تلقى القنابل الكبيرة الحارقة على الثوار . وشارك الفحماويون ايضا في معركة “بيت راس” , ويروي الشيخ صالح توفيق صالح اسماعيل ان الثوار قتلوا اربعة جنود من الانكليز واستشهد اربعة من الثوار ,ويضيف ان الاعداء استعملوا الدبابات : ” وقمنا بمهاجمتها, الا ان احدى الدبابات “طلعت” على احد الثوار , فلم نحتمل المنظر , فهجمنا نرفع الدبابة وقائدها لم يحرك ساكنا , ولم يطلق النار علينا “.
في هذه الاثناء كان القائد احمد الفارس وفصيل يوسف الحمدان يوالون نشاطاتهم العسكرية ضد القوات الانجليزية , وحدث الصدام مع قائد ثورة منطقة جنين –يوسف ابو درة حتى كادت ان تنشب معركة مسلحة بين فصيل علي الفارس ويوسف الحمدان وبين فصيل ابو درة بعد اتهام(الاخير) بقتل مختار رمانة “رشاد المصطفى الاحمد” , ومرة اخرى كادت قوات الثورة تشتبك ببعضها البعض عندما عاد احمد الفارس من حيفا وجمع الثوار ومعهم يوسف الحمدان والتقوا بيوسف ابو درة في اللجون في بيت سليمان مصطفى العبدلله , وكادوا يشتبكون لولا تدخل وجهاء اللجون , وبعد يومين عُثر على سليم الصعبي مقتولا ومدفونا في “رجوم” الروحة , فغادر ابو درة البلاد ووصل الاردن وهناك القت القوات الاردنية القبض عليه وسلمته للانكليز وجرت له محاكمة بتهمة قتل رشاد الاحمد وشهد عليه مواطن من ام الفحم كان قد تعرض ظلما للتعذيب على يد ابو درة , وحكمت المحكمة باعدام ابو درة في 30-9-1939. غير ان ثوار ام الفحم حافظوا على نقاء ثورتهم وسيرتهم واستمروا في حربهم ضد المستعمر الانجليز يعدوهم الاول والاساسي , ولعل الحقيقة ان آخر معركة من معارك شمال فلسطين عامة ومنطقة ام الفحم – جنين خاصة , كانت معركة استشهاد البطل يوسف الحمدان في 1939تثبت ذلك.
استمر فصيل احمد الفارس ويوسف الحمدان وثوار ام الفحم في تصديهم للانجليز فيما غادر علي الفارس البلاد الى دمشق بطلب من القيادة, وكانت القوات الفرنسية قد اعتقلته قرب درعا , وطالب الاردن تسليمه اليها بتهمة محاولة قتل جنود اردنيين , فتوجه وفد من عشائر المحاميد في درعا يرافقهم فياض الفارس وشخصيات اردنية للامير عبدالله طالبين العفو عن علي الفارس , فكان لهم ذلك , وقام “غلوب باشا” بتسهيل اطلاقه بعد تسلمه مباشرة من الفرنسيين بدعوى: “انه ليس لحكومة فلسطين(الانكليزية)أي ملف جنائي او غير جنائي ضد علي الفارس” –اقوال ابو فاروق , وصحب الوسطاء علي الفارس في العام 1941الى ام الفحم واستقبلوا احسن استقبال .
يذكر الفحماويون ان “يوسف بيك الخليل” وهو ابن مصطفى باشا الخليل, احد الاقطاعيين الذين امتلكوا اراضي في فلسطين, والذي سكن بل وامتلك قرية الغبيةالتحتا (قرب اللجون) وكان على علاقة حميمة مع حكومة الانتداب والقادة الصهيونيين , وعلى علاقة مع مدير بوليس حيفا ومع مساعديه الضابط “كوهين” والضابط “صوصة”, اللذان عرضا عليه بحكم صداقته مع الثوار ايضا ان يعرض عليهم التسليم مقابل العفو ,فدعا اليه القائد يوسف الحمدان, بعد معركة المنسي وعرض عليه العفو الكامل والمعاش الابدي من الانجليز مقابل توقف فصيله عن الثورة , الا ان يوسف الحمدان رفض هذا العرض وتوجه من فوره الى القائد احمد الفارس واخبره بما حصل, ويقال ان احمد الفارس غضب من يوسف الحمدان لمجرد اجتماعه مع يوسف بيك الخليل , ثم غادر ام الفحم باتجاه بيت يوسف بيك في قرية الغبية التحتا ونادى عليه وسأله عن العرض الذي تقدم به ليوسف الحمدان, ولما اعترف يوسف بيك بذلك اطلق عليه احمد الفارس النار وارداه قتيلا. يذكر ان مختار كيبوتس مشمار هعيمق – “الخواجة سليم” – نقل بسيارته يوسف بيك لمستشفى العفولة الا انه فارق الحياة قبل وصوله متأثرا بجراحه. نذكر هنا ان بعض المصادر نقلت معلومات عن محاولة الشهيد يوسف الحمدان تسليم نفسه للانجليز والتعاون معهم ضمن قوات “فصائل السلام” , وقد كتب الضابط اليهودي شلومو بن الكنا ان الحمدان توجه عبر عائلة “مقبل” من قرية السنديانة للتوسط لدى الانجليز ولدى فخري عبد الهادي لهذا الغرض , ويضيف ابن الكنا ان هذا الامر لم يتم, ليستمر ابو العبد بجهاده ضد المستعمر الغاصب. تجدر الاشارة هنا انه وبعد قتل يوسف بيك الخليل ,امتطى الفارس احمد الفارس صهوة جواده وتوجه باتجاه قرية كفر قرع حيث كان الثوار مجتمعون , ولم تمض بضع ساعات حتى كانت القوات الانجليزية تحاصر احمد الفارس وتنصب له كمينا على مفرق كفر قرع وتنجح قوات الغدر اخيرا ان تغتال احد ابرز القيادات الشجاعة والحكيمة لثورة فلسطين – احمد الفارس- في اواخر 1938 .
آخر معارك ثورة المرج واستشهاد يوسف الحمدان1939م:
لم تتوقف الثورة بعد استشهاد احمد الفارس , فقد حدثت بعد ذلك العديد من المناوشات والاشتباكات والعمليات العسكرية المختلفة ضد قوات ومنشآت الاحتلال البريطاني . وبالمقابل استمرت القوات البريطانية في ملاحقتها للثوار واغتيالهم, وقبل اسدال الستار على احداث ثورة مرج بن عامر- او قل ثورة ام الفحم ومنطقتها حدثت معركتين هامتين الاولى اطلق عليها الفحماويون اسم معركة “خلة الحمارة” , وهي الثانية في هذه المنطقة, وشارك في هذه المعركة الحامية – الفصيل الفحماوي وبمشاركة العديد من الثوار في قرى المنطقة, من السيلة ومن اليامون, اضافة الى العديد من ثوار المرج من قبائل التركمان. واما المعركة الثانية وكانت عمليا آخر معارك الثورة في منطقة ام الفحم وهي “معركة الطفوف” التي اُستشهد فيها يوسف الحمدان كما سيأتي تفصيله لاحقا. كان العديد من قيادات الثورة قد التجأ الى سوريا ولبنان بعد استشهاد احمد الفارس, وكان القائد يوسف الحمدان احدهم , الا انه سرعان ما قرر العودة لمواصلة الثورة ضد الانكليز , وفعلا عاد يوسف الحمدان والقائد ابو بكر من قرية شعب ومحمود الديراوي من دير ابي ضعيف ومعهم قرابة 200 مقاتل ودخلوا فلسطين من جبال البصة شمال فلسطين :
“وصلنا قرية كوكب ابو الهيجا وحاصرنا الانجليز واختبأنا اكثر من يوم , تقسمنا الى مجموعات من 20-25مقاتلا واكرموا جانبنا , وكنت ضمن مجموعة اختبأت في احد الكهوف , وغطونا بالقش ورفث الحيوانات حتى يئس الانكليز واخلوا المنطقة ثم تفرق كل فصيل الى منطقته وقواعده .
عاد يوسف الحمدان الى الوطن في وقت حرج جدا للثورة, حيث انتقل زمام المبادرة من يد الثوار الى يد الانجليز واصبح من الصعب على الثوار ان يفرضوا المعركة وفق شروطهم , وبدأت القوات البريطانية ” عملية نزع سلاح عامة , بالتعاون مع العناصر المعادية للثورة استطاعت خلالها الاستيلاء على 2076 بندقية785 مسدسا, 235 بندقية صيد, كما استطاعت احتلال وتفتيش 758 قرية حتى تموز 1939. وادى الضغط المتزايد الى انهاك الثوار واهتزاز تنظيماتهم وخاصة بعد فقدان القيادة العسكرية والسياسية الفعالية القادرة على تحدي تفوق الخصم الساحق , فالقيادة العسكرية لم تعد موجودة في الداخل من الناحية الفعلية, وخاصة بعد استشهاد القائد العام للثورة عبد الرحيم حاج محمد في اذار 1939 , وقيام عارف عبدالرازق بتسليم نفسه للسطات الفرنسية على الحدود اللبنانية , ووجود عبد القادر الحسيني خارج البلاد منذ خريف عام 1938″. وبمجرد وصول يوسف الحمدان وفصيله الى منطقة ام الفحم قامت القوات الانكليزية ,قدر صبحي ياسين عددها ب5000 جندي بقيادة الجنرال “مورتون” القائد العسكري لمنطقة جنين (اسماه الفحماويون “مارتين”) بفرض طوق شامل على البلدة , بعد ان بلغها نبأ وصوله ومكان تواجده من احد رجاله , وفق ما ادعت وثيقة للهاغانا مؤرخة في17-12-1939, ويحدث الاهالي ان “مورتون” هذا كان “ظالما, مجرما ومتسلطا على المنطقة , يفعل ما يشاء بغير حساب”, وقد جمع اهل البلد عند منطقة الكينا- من احياء البلدة -واعتلى شجرة زيتون وجلس على فرع من فروعها وبدأ يخاطب الناس بعنجهية ووقاحة متناهية ويهز رجليه بغرور واستعلاء . واخذ يهاجم المخاتير والزعماء والوجهاء مخاطبا الاهالي بلهجته العربية قائلا :
“كان لرجل ما ولد مدلل كان يطعمه احسن الطعام ويلبسه احسن اللباس ولكن الولد عندما كبر اصبح يشتم اباه ونحن ايضا كان لنا ولد وكان مدللا واضاف : كان بامكاننا ان نقمع الثورة ولكننا امتنعنا عن ذلك , ولكن الان لن نسمح باستمرار هجمات الثوار” . وطالبهم بأقناع يوسف الحمدان تسليم نفسه للسلطات واعدا اياهم انه لن يمسه بسوء . ولكن يوسف الحمدان رفض تسليم نفسه , وانتشر الثوار في مناطق ام الفحم , ويحدث الثائر توفيق صالح اسماعيل جبارين – من قرية مشيرفة :
ويضيف الاهالي محدثين عن صدق جهاد القائد يوسف الحمدان , انه لما اشتد الطوق من حول الثوار ,حاول بعضهم اخذه واخبأءه في بيته الا انه رفض قائلا : انا عاهدت الله الا اخون او اهون او اتراجع .
“لقد ذهب بعض الرجال لفحص امكانية افلاتنا من الطوق , وبالقرب من “الست خيزران” طوقتنا النساء وارغمتنا على دخول احد البيوت, لقد شاهدت عشرات الجنود ينقضون نحونا , دخلنا خوابي القمح في بيت ابو مصطفى الدوبلي وهاجمت الفرقة البيوت تبحث عنا, كنتا نا والثائر الشيخ محمد (يوسف الكرم) وكان يحمل مصحفا صغيرا يقرأ فيه , والخابية مكان ضيق فأخذوا يدخلوا يديهم من الطاقات- النوافذ- الصغيرة وكنا في كل مرة نرفع ارجلنا الى اعلى حتى كادوا يمسكوا بنا في اكثر منمرة “.اقوال الثائر توفيق صالح. واستطاع الثوار بعد ذلك الانسحاب والوصول الى منطقة طفوف ابو عويمر – الشارع الرئيس امام موشاف ميعامي – والانجليز وراءهم على “الصواري” (الخيول)وحدثت المعركة ولكنها لم تدم طويلا .
وينقل الاستاذ تيسير خالد مؤلف كتاب “عرين الثوار”, عن السيدة عفيفة حمدان , شقيقة الثائر يوسف الحمدان ان اخاها واصحابه قاتلوا ببسالة وقاوموا قوات الاستعمار وقُتل وهو يقاتل ويقاوم لانه رأى الشهادة تزغرد كما حكى وكما صاح مخاطبا المقاتل الثائر ابو شتيوي – هو محمد اشتيوي من قبيلة بني سعيدان من عرب التركمان ,رفيق درب احمد الفارس – (المؤلف) حيث قال له :” فتحتا بواب الجنة يا اشتيوي ” . واستشهد البطل. هذا البطل الذي كتب عنه اكرم زعيتر قائلا انه :” المجاهد الشجاع يوسف الحمدان,” ومعه لفيف من اخوانه الابطال , عرفنا منهم :
–الفحماوي محمد الشيخ يوسف كرم محاميد .
– عبد الوهاب مصطفى عثمان جبارين (مشيرفة) قتل في منطقة بدرانة ,عين جرار.
– عبد الرؤوف ابو شرقية من قرية جت
– مسعود ابو رزق – جت
– محمد مصطفى قرمانو من سكنة ابو كبير – قرب يافا.
– عبد مصطفى قاسم من ربية.
– محمد الشامي- ثائر سوري عاش في ام الفحم واستشهد في اخر معاركها , ويذكر الاهالي انه القي القبض عليه حيا, بعد ان اصيب بجراح في المعركة , الا ان الانجليز قتلوه وهو مكبل في الطريق للاسر في جنين .
اضافة الى اخوانهم من المناضلين ابناء القبائل التركمانية, الشهداء :
– محمد اشتيوي , من قبيلة بني سعيدان التركمانية .
– القائد الشيخ ابراهيم شلهوب الحجات وهو من عرب العلاقمة من المنسي.
– القائد خالد ابو فواز كاتب الثورة , من عرب العلاقمة .
– الثائر احمد صالح المصطفى الجلجميني من عرب العلاقمة .
– القائد محمد ابو رميلة من عرب العلاقمة
– عبد الحميد قاسم الجندي من بني سعيدان.
“وقد تم قتل عدد من الجرحى اثناء نقلهم الى جنين, “فقد جروهم بجروح دامية وقتلوهم في القيادة الانجليزية في جنين”. ويقول بعض الاهالي ان طبيبا عربيا كان من بين الثوار ونجا من المعركة ولا يعرفون شيئا عنه سوى انه كان قصير القامة ولم ننجح في الاستدلال عليه من يكون ؟وبعد انتهاء المعركة انسحب الانجليز بعد ان احضروا جثث الثوار والقوا بها على بيادر الميدان . وحدثنا بعض الرواة ان جنود انجليز حملوا جثمان يوسف الحمدان من يديه ومن رجليه في حين كان ظهره يرتطم بالأرض , وقد تقاسمت الحمائل الفحماوية الجثث ودفنتها ووضعت النساء التشاكيل على الجنازات , فيما النساء اقمن “زفة” لشهيدين من رمانة في الجامع , حتى حضر اهلهما واخذوهما على الجمال . وحين انسحب الانجليز هاجمت النساء صفوفهم ببسالة بالحجارة والعصي , ثم اخذن يعفرن (ينثرن) السكن (الرماد) على رؤوس الانجليز , ولم يجرؤ احد من الرجال على منع النساء من ثورتهن العارمة واستماتتهن في ايذاء الانجليز . ” اقوال عفيفة الحمدان .واخذ الجنود الانجليز بالاعتداء على النساء بالكرابيج (السوط) اثناء عملية الانسحاب . يُذكر ان الانتداب الانجليزي اعلن عن مكافأة قيمتها500 جنيه استرليني لكل من يساعد في القبض على القائد يوسف الحمدان , بينما كانت المكافأة المعلنة على القائد يوسف ابو درة 250 جنيه استرليني .
وجاء في كتاب “العصابات العربية” لمؤلفه عزرا دانين ان المدعو “احمد ابو زيتون” من قادة الثوار في لواء طولكرم قرر ان يسلم نفسه للانتداب ويتعاون معهم ,واختار التعامل مع اليهود في حيفا ووهب نفسه في محاولة تسليم “صديقه وزميله” القائد يوسف الحمدان للقوات الانجليزية ,وقد كافأه الانجليز على ذلك بمبلغ من المال وان لم يكن كل قيمة المكافأة المعلنة 500 جنيه استرليني, لانها توزعت على الكثير من المتعاونين الذين تطوعوا على اخبار الانجليز موقع وتحركات يوسف الحمدان. ويضيف عزرا دانين في كتاب اخر له ان المخابرات الصهيونية – قبل قيام الدولة – ساعدت القوات الانكليزية على تصفية قيادات الثورة , ويؤكد ان ضابطا في شرطة “الخضيرة”- يدعى “بنحاس ميتال” هو الذي قاد القوات الانكليزية لمكان تواجد يوسف الحمدان بعد ان ساعدوه في ذلك بعض المتعاونين العرب . نُقل رفات الشهيد يوسف الحمدان الى قرية اللجون مع رفات الشهيد محمد الشامي ,فيما دُفن محمد اشتيوي في ام الفحم بجانب ضريح احمد الفارس تلبية لوصيته . وتروي عفيفة الحمدان وغيرها العديد من الاهالي ان عشرات الالاف من ابناء فلسطين هبوا للمسير في جنازة الشهيد البطل وتقول :
” كان الرجال يردحون بالحطات والعُقل , هذه اول مرة ارى فيه الرجال تبكي وتنوح وتردح , اول مرة ارى الرجال يغنون ويزغردون مع المآقي الملتهبة المتفجرة, وكانت (زينب الشيخ عبدالله) تحدو بالاشعار الثائرة والرجال والنساء يرددون, مئات الحلقات تنط (تقفز) وتلوح وتبكي , وكل مجموعة تأتي الى اللجون تبكي وتنعي آخر الثوار …مرج ابن عامر يضيق ببني البشر …” . هذا وفي حين يذكر بعض الاهالي ان هذه المعركة واستشهاد يوسف الحمدان حدثت في فصل الشتاء, الا ان الاستاذ اكرم زعيتر يقول في يومياته انه تلقى يوم 25-5-39 ” تفاصيل عن محاصرة جديدة لقرية ام الفحم من قبل القوات البريطانية واشتباك مع الثوار حين محاولتهم الانسحاب استشهد فيه المجاهد الشجاع يوسف الحمدان(من ام الفحم ومساعد القائد ابي درة) ولفيف من اخوانه الابطال : محمد يوسف كرم وغيره ” , ويختم زعيتر اقواله بالقول :
” ان الفلسطينيين قد يملون كل شيء الا الاستشهاد في سبيل الله“.
واذا ما صحت يوميات زعيتر فأن استشهاد يوسف الحمدان كان في النصف الثاني لشهر ايار 1939 والارجح انه في 24- 5- 1939 , كما كتب ذلك ايضا صبحي ياسين في كتابه “الثورة العربية الكبرى”, كما وان بعض المصادر العبرية تؤكد هذا التاريخ . فيما قال مصدر عبري اخر ان المعركة التي استشهد فيها الحمدان وصحبه حدثت في 17-12-1939 , وتؤكد صحيفة “دافار” هذا التاريخ , وليس في شهر-5-1939 كما ذكر سابقا .
فقد جاء في أحد تقارير الهاغانا والمؤرخ في 18-12-1939 الى أن القائد يوسف الحمدان قد استشهد في 17-12-1939مع أحد عشر مجاهدا كانوا معه في أم الفحم ، وجاء في التقرير :
” أمس كان يوم الثأر الأكبر ويوم الحساب العسير الذي أنهى درب الآلام وسفك الدماء ، حيث تم القضاء على يوسف الحمدان ومعظم معاونيه منذ فترة طويلة ، تنقل يوسف الحمدان من مكان الى آخر دون أن يجد الراحة لنفسه ورجاله ، توجه الى فخري عبد الهادي كي يتوسط بينه وبين حكومة الانتداب لتعيينه رئيسا لفصيل سلام ولكن هذا الأمر لم يتم ، كما أن دور آل مقبل الذين اعتمد عليهم يوسف الحمدان انتهى تقريبا في الآونة الأخيرة فلم يعد لهم أي تأثير ، جاء يوم السبت جالبا معه الخير كله إذ خرجت اعداد كبيرة من الجنود في سيارات عسكرية الى أم الفحم وعلى رأسها جاسوس ، حدث تبادل لاطلاق النار في القرية استشهد على إثره ستة من الثوار على الفور ، أما الستة الباقون فعلى ما يبدو جرحوا وأسرعوا الى ملاقاة إخوانهم في الجنة ( يبدو أنهم أعدموا ) ، هرب اثنان وقد تم الاستيلاء على ثلاث عشرة بندقية ومسدسين وقنبلتين”.
“بسقوط يوسف الحمدان, خسرنا الشاب الذي كان اول من استعمل السلاح الابيض ضد العدو“… اقوال الكاتب الفلسطيني صبحي ياسين .
هذا ولم تمض فترة طويلة على استشهاد يوسف الحمدان وصحبه الثوار حتى قام مناضل ,نصف معوق من قباطية بالانتقام من “مارتين” القائد الانجليزي الذي لاحق فصيل يوسف الحمدان , فقد ادعى ان يده مكسورة ووضع السلاح في داخل الجبس , ودخل الى مكتب مارتين(مورتون) في مقره بجنين واخبره ان معه رسالة , فما ان بدأب قراءتها حتى قام هذا المناضل باخراج سلاحه واطلاق النار عليه , فاصابه بجراح بالغة ,وهرب من المكان ولاحقته القوات الانجليزية واغتالته ليسقط شهيدا اخر من شهداء الثورة.
وعن شخصية يوسف الحمدان وفصيله ورد في تقرير استخباري صهيوني مفصل عنه (بعد استشهاده) بــ 19-8-1940 ما يلي:
” في الاربعين من عمره، كان يتحرك في اغلب الاحيان بين القرى في الليل ، يروي القرويون عنه انه كان مؤدبا جدا، وذا اخلاق حميدة ، ويعامل الفقراء معاملة جيدة ويعطف عليهم ، إنصبَّ جل اهتمامه في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني واليهود ،ولا توجد معلومات عن قيامه بتعذيب المعتقلين”.
أما عن مصادر تمويله ، فقد ورد في التقرير آنف الذكر ما يلي:
” يُروى انه لم يحصل من الخزينة المركزية( لقيادة الثورة في دمشق) على اي مبلغ من المال ، كان تابعا لمدة طويلة الى القائد يوسف ابو درة وباسمه أنشأ فصائل منظمة في قضائي جنين وطولكرم، لما هرب القائد يوسف ابو درة اعتمد يوسف الحمدان على الضرائب التي فرضه اعلى القرى … لأجل ذلك عين في كل قرية ممثلا عنه وظيفته تركيز الضريبة وجمعها من قمح وشعير وغيرها وبذلك أنشأ طريقة عصرية في جباية الضرائب، اذ ان قادة(العصابات) الاخرى اعتادوا اختلاس الاموال ورافقت ذلك بلبلة ، لم تواجه يوسف الحمدان أية مشاكل او صعوبات في جمع هذه الضرائب لأن ممثله في القرية كان يخبره على الفور باسم الممتنع الذي كان يعاقب امام الجمهور ، لم يجرؤ احد على الامتناع لان الجمهور كان يشارك في عقابه. عبر الاهالي عن تأييدهم ومحبتهم “لعصابة” الحمدان بواسطة الشعارات والصور ، لم يكن هناك من يجرؤ على اخبار الشرطة بأماكن تواجد افراد هذه العصابة لأن العقاب هو الاعدام بقرار حكم فوري . عادة كان يجمع المال نقدا بعد ان يقوم قائد الفصيل بزيارة القرية بنفسه. ولم تزد الضريبة على مئة جنيه فلسطيني وفي معظم الاحيان حتى خمسين جنيها فلسطينيا.
أما عن قيادة فصيل يوسف الحمدان فقد ورد في نفس التقرير ما يلي:
” ساد بين رجاله نظام عسكري بحت، كانت الطريقة تركية-المانية وفي الآونة الاخيرة انكليزية جراء هروب قسم ممن خدموا في الشرطة . “كان الانضباط شديدا بحيث كان اي اخلال بالاوامر يجر في اعقابه قرارا بالاعدام ..كان الهدف من ذلك منع الخوارج من اختراق العصابة ، كان الفصيل متماسكا ومتحدا الى حد المثالية ولكن اعتماد يوسف الحمدان كان في الحقيقة على عشرة من رجاله لا اكثر، ورغم ان حكم الاعدام كان مخيفا الا ان احد رجاله هو الذي خانه واخبر الشرطة عن مكان تواجده ، كانت الاوامر الصادرة عن قائد الفصيل غير قابلة للجدل ويجب ان تنفذ مهما كانت الظروف، كما كان باستطاعة هذا القائد ان يأمر حتى اولئك الذين لا ينتمون الى فصيله بتزويده بمعلومات ،وقد نجح بعض هؤلاء في اختراق الشرطة المركزية ، كان العرب يخبرون القائد بكل حركة مهما كانت ووفقا لذلك كان يُغيّر مواقعه ،ولذا من السهل ان نفهم فشل الشرطة في القاء القبض عليه”.
كان معظم سلاح فصيل يوسف الحمدان عبارة عن البارودة الالمانية والبارودة التركية وفي حالات نادرة لبارودة الانكليزية ، كانت حالة هذا السلاح سيئة للغاية اذ لم يكن هناك زيت خاص لمسح البارود او تنظيفه من الداخل، كان معظم هذا السلاح من مخلفات الحرب العالمية الاولى وخُزّن في مغاور مما ادى الى صدئه… في معظم الاحيان كانت البارودة تسمع صوتا او صدى وينفجر الرصاص بداخلها واحيانا كانت الباغة تخرج مفلوقة واحيانا لم يعمل الدفاش، نوع آخر من السلاح كان اللغم الذي هدد المستوطنات اليهودية وطرق المواصلات.
ترك الشهيد يوسف حمدان محاجنه في اللجون زوجة (خديجة صالح محاجنه) بدون ابناء ولكنه كان متزوجا من امرأة اخرى من الغبيات( شناره ابو رميلة) التي مرت تحت اللحد يوم جنازته لتعلن انها حامل منه كما كانت العادة وكانت عده محاولات للعثور على الابن , ولكن عندما علمت زوجته بهذه المحاولات تركت منطقه طولكرم الى الاردن, وادعى فيما بعد شخص من اربد يدعى “ابو شاهر” من عشيرة ابو رميلة انه ابن القائد يوسف حمدان ,وحضر لزيارة الاهل في ام الفحم , ولم يتم التأكد من صحة نسبه كما اعلن احد الفلسطينيين المغتربين انه حفيد يوسف الحمدان ويدعى محمد حمدان يوسف الحمدان , مقيم بالولايات المتحدة الامريكية.
المراجع:
- ام الفحم واللجون , رحلة عبر الزمن. قراءة في سيرة المجاهد المناضل يوسف الحمدان من ابطال ثورة 1936
- للكاتب : وجدي حسن جميل .
- موقع بلدتنا www.BLDTNA.com
- يوميات أكرم زعيتر – أكرم زعيتر
- العصابات العربية – عزرا دانين