ثوار 1936

يوسف الحمدان (أبو العبد)

يوسف الحمدان (أبو العبد)

يوسف الحمدان العبد والملقب “ابو العبد علم” من آل طميش في حي المحاجنة بأم الفحم , من ابطال ثورة 1936 في فلسطين عامة ومنطقة ام الفحم خاصة , ولد حسب كل الدلائل في عام 1899 إذ انه عندما استشهد كان عمره اربعين سنة ، لا نعرف شيئا عن نشأته الأولى سوى أنه كان يتيم الأب ، في الثلاثينيات انضم الى عصبة الشيخ عز الدين القسام وخاض العديد من المعارك والاشتباكات مع القوات الانكليزية المستعمرة , وشهد له العدو قبل الصديق بالشجاعة والاقدام , حتى كان استشهاده في آخر معارك الثورة في منطقة ام الفحم ومرج ابن عامر في العام 1939.

انضوى الشهيد يوسف الحمدان في الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936 في بداياتها الاولى ,حيث كان ثوار ام الفحم وفصيل “البطيمات” بقيادة حديث الوراد من اهالي قرية البيار ,ملتحقون بفصيل الشيخ القسامي فرحان السعدي ومن بعده الشيخ عطية محمد عوض ليلتحقوا بعد استشهاده في معركة اليامون ,بقيادة القائد يوسف ابو درة قائد منطقة جنين ,وبقيت كذلك تعمل تحت امرته حتى تشكل في ام الفحم فصيل مستقل بقيادة بعض ابناءها المجاهدين وهم علي الفارس محاميد واخيه احمد الفارس محاميد ويوسف الحمدان محاجنه.

وعن ظروف تشكيل هذا الفصيل الفحماوي المستقل ,يذكر الفحماويون ان مشاكل وخلافات برزت بين ثوار ام الفحم وبين يوسف ابو درة – ابو العبد – لدرجة انه مُنع من التواجد في ام الفحم , بعد ان كان القائد غير المنازع في جميع منطقة جنين, وكان يوسف الحمدان يعمل مساعدا له, وجاء في احدى الوثائق الموجهة الى قائد الثورة آنذاك عبدالرحيم حاج محمد – “ابو كمال” – ان ثوار ام الفحم وقرى رمانة ويعبد وعرابة اتفقوا على العمل ضد ابو درة قائد منطقة جنين .وهكذا تم تشكيل فصيل مستقل , وقف على قيادته الشهيد احمد الفارس وشقيقه علي الفارس محاميد ويوسف الحمدان محاجنه كما اسلفنا , وانضم اليهم احمد اسعد عزام جبارين واحمد ابو حلوة وعبد الوهاب مصطفى عثمان (مشيرفة) وتوفيق الصالح وخليل الصالح جبارين وغيرهم من الثوار الفحماويين .

شارك ثوار ام الفحم وفي مقدمتهم يوسف الحمدان بمعارك الثورة منذ بداياتها , وخاضوا المعارك الكبرى قبل وبعد وصول القائد العربي – المثير للجدل- فوزي القاوقجي , وشارك “ابو العبد”(يوسف الحمدان) في اولى معارك الثورة تحت قيادة القاوقجي , “معركة بلعا الثانية” في 3-9-1936 وابلى فيها بلاء حسنا.(انظر تفاصيلها في مقالنا في موقعي “امد للإعلام” وفي موقع “برق نت”).

“وزع القاوقجي القوات على ارض المعركة :المفرزة العراقية بقيادة “جاسم الحسين” ,المفرزة الدرزية بقيادة “حمد صعب” ويعاونه “محمود ابو يحيى”, والمفرزة الحموية – الحمصية بقيادة “منير الريس” , والمفرزة الشامية – الشرق اردنية بقيادة “محمد الاشمر” فالمفرزة الفلسطينية بقيادة “فخري عبد الهادي وعبد الرحيم حاج محمد والشيخ توفيق من علار , اضافة الى الشيخ فرحان السعدي والعريف يونس ومحمد الصالح (ابو خالد) والشيخ عطية احمد عوض ويوسف الحمدان ,وانيط بالمفرزة الفلسطينية حراسة جبل المنطار, : “فقد تقصدت ان لا اجعلهم في خط النار , يجابهون صدمة عنيفة ويجبرون على مجابهة الاسلحة الميكانيكية الفتاكة طيلة النهار, وذلك لعدم اعتيادهم على هذا النوع من الدفاع”- وفقا للقاوقجي .

بدأت المعركة صباح 3-9-1936 , ولم يكن الانكليز يتوقعون مثل هذه المفاجأة , فكانت الاصابات منذ اللحظة الاولى”, ودخلت الطائرات المعركة , بلغ عددها تسع طائرات وفقا لمذكرات القاوقجي12 , و8 طائرات وفقا للبلاغ الذي اصدره القاوقجي عن المعركة وحمل رقم 3 , و15 طائرة وفقا لصحيفة فلسطين , وقد استطاع الثوار اسقاط 3 منها, وخاض الثوار معارك عظيمة, استبسل فيها القادة الشيخ محمد الاشمر والمجاهد الدرزي حمد صعب وقادة المفرزة العراقية, اضافة لاستبسال المفرزة فلسطينية بقيادة الشيخ فرحان السعدي حيث “جرت معركة عظيمة بين بعض النجدات وبين مفرزة شيخ المجاهدين “فرحان السعدي “استبسل فيها المجاهدون ايما استبسال”. انتهت المعركة “بفوز المجاهدين على المستعمرين ,وبفوز الايمان والارادة على الظلم وقوة الميكانيك, فوزا باهرا لا يقدر قيمته, ولا تأثيره ونتائجه , الا الاجيال المقبلة”, حسب اقوال القاوقجي.

وقد انشد الفلاحون الفلسطينيون الاهازيج والاغاني بهذا النصر في بلعا قالوا فيه :

بين بلعا والمنطار                       صار اشي عمره ما صار

واضاف الفحماويون عليه قولهم :

اسروا ابو العبد علَم                              هلي علم الثوار

حبسوه في حاووز المي                   ومن حاووز المنطار

اشارة الى وقوع يوسف الحمدان بالآسر وزجه بمعتقل عتليت كما سيأتي معنا ذكره لاحقا.

ثم شارك ابو العبد في اول معركة فحماوية ضد الانجليز وهي المعركة التي يطلق عليها الفحماويون اسم “معركة عين الزيتونة” او “معركة خلة الحمارة” , لوقوعها في هذه المنطقة الفحماوية الواقعة على شارع وادي عارة الرئيسي, والتي اطلق عليها د. محمد عقل اسم “معركةالموابر وخلايل التفاح” واطلق عليها القيادي الفلسطيني نجيب الاحمد “معركة ام الفحم”.

“مرت صباح يوم 12-9-1936 دورية – انجليزية – مؤلفة من ثلاث سيارات كبيرة مملؤة بالجند فهاجمها الثوار المتحصنون في الجبل الجنوبي واطلقوا النار عليها بكثافة, “ولكن السيارات قفلت راجعة بسرعة , دون ان تجاوب طلقة واحد, حسب اقوال القاوقجي . ومع انسحاب القوات الانكليزية ,حضرت طائرات حربية على ارتفاع قليل جدا وأخذت تطلق النار من رشاشاتها على مكامن الثوار , يذكر ان احد المحاربين الفحماويين يدعى – علي الطرشة , اصابته الطائرة ” بأكثر من عشرين رصاصة ” الا انه نجا من الموت المحتم . ويروي شهود عيان ان احدى هذه الطائرات اخذت تغير على ارتفاع منخفض , مطلقة رصاصها على الثوار الذين اتخذوا اشجار الزيتون غطاءً ومخبأً لهم , ويقال ان احد المقاتلين – سامي مصطفى الاحمد (من رمانة) – صاح بالثوار ان يفترشوا الارض واخذ يطلق النار باتجاه الطائرة, “وتمكنا من اسقاطها بعيدا عنا”. ويروي الكاتب خضر العلي ان الشيخ “محمدا لأشمر” (السوري) امتطى صهوة جواده وشهر سيفه من غمده وهجم لناحية العدو فكان اقدامه هذا يدعو للإكبار حقا وقمينا بالإعجاب”. ثم كانت مشاركة الشهيد ابو العبد فيما يُعرف بأدبيات الثورة الفلسطينية باسم: “معركة ام الفحم” (معركة المدرسة بلسان الفحماويين) في 30-1-1938م , والتي أذاق فيها الفحماويون ومن شاركهم بالفزعة من ابناء القرى المجاورة , القوات الانجليزية مرارة الانكسار والهزيمة , ما دفعها الى أتخاذ ام الفحم مقرا لقواتها لمحاصرة الثوار والثورة. ويذكر ابناء ام الفحم ذاك اليوم الذي حدثت فيه المعركة ويتحدثون عنه كما وكأنه حدث في الامس القريب, البعض يروي القصة ببعض المرح المجبول بالاسى والبعض الاخر يذكرها بتأوه وحسرة , الا ان جميعهم يروونها بفخر واعتزاز , كيف لا وهذه هي المعركة التي شاهدوا فيها المستعمر الانجليزي  يفر مهزوما  امام  الثوار , “يبحث عن الملجأ عند النساء وفي الطوابين” .

“كنا يومئذ في المدرسة ندرس , واذا بأحد المعلمين يدخل علينا الصف ويطلب منا ان نغادر لان الانجليز قرروا ان يتخذوا المدرسة مقرا لهم ومعسكرا لقواتهم في ام الفحم” , هكذا حدث من عاصروا الواقعة , فغادر الطلبة المدرسة وذهبوا ليستطلعوا الامر , وقد تجمعت الناس على التلة التي يتواجد عليها الان بيت السيد طلحة جبارين, وشاهدوا القوات الانجليزية وقد حملت معداتها ومدافعها وسلاحها على “حمير قبرصية” , اذ انه لم تكن هناك ,لا شوارع ولا سيارات في ذاك الوقت . ولما وصلوا قرب بيت حلمي شفيق الموسى ( اليوم) -في منطقة  الكينا – اجبروا بعض الاهالي على حمل أمتعة الجنود ومعداتهم , وبدأ الجنود المسير باتجاه المدرسة. في هذه الاثناء كان الثوار بقيادة يوسف الحمدان وعلي الفارس والشيخ عطية احمد عوض والشيخ يوسف ابو درة قد انتشروا في البلدة, ووقف قسم منهم في منطقة الميدان – اليوم- وبدأوا بأطلاق النار على الجنود الانجليز الذين بلغ عددهم ما بين 300-400 جندي.

“طبعا, الانجليز معهم سلاح افضل من سلاح الثوار” ,فبدأوا بملاحقتهم , فسار قسم منهم باتجاه الست خيزران حيث انسحب الثوار , وسار قسم آخر  باتجاه المدرسة , مارا عن  طريق البلدية .

وما ان بلغت القوات الانجليزية بيت السيد طلحة ,حيث كان الثوار قد نصبوا كمينا للإنجليز بين اشجار الست خيزران , حتى صاح احد الثوار بالناس ان يبتعدوا ,واخذوا بإطلاق النار على الانجليز , ويروى ان بعضا لثوار كان يطلقون النار باتجاه الانجليز من خلف “مواشي السيد مروح السكران ” حتى قيل ان هذه الماشية انقذت الثوار.

“واستمر الثوار بانسحابهم والانجليز من ورائهم حتى بلغوا المدرسة , وهناك كانت فرقة اخرى من الثوار قد نصبت كمينا لهم , وما ان وصلت القوات الانجليزية حتى فتحت عليهم النار من عدة اتجاهات فسقط الكثير منهم بين قتيل وجريح . وتشتت جمعهم واخذوا يولون الادبار باتجاه البيوت بحثا عن مخبأ لهم. واشتبك الثوار مع القوات الغازية في معركة “حامية الوطيس استمرت ثماني ساعات …واستولى الثوار والاهالي على اسلحة حربية وافرة … وحدث المعاصرون – ان الثوار الكامنين على جبل الست خيزران بدأوا بقنص الجنود الانجليز واحدا تلو الاخر , فغضب قائدهم وقرر الصعود بنفسه الى الجبل فقنصه الثوار وعلى رأسهم احمد اسعد عزام – ابو تيسير ,فأصيب هذا الضابط وأخذ “يشخر” حتى الموت. وقد شارك اهالي القرى المجاورة بالمعركة – الفزع-ومنهم ثائران من يعبد , عرفهما الاهالي باسمي : “ابوالللك” و”العرنيطي” – وفقا لاحدى رواتنا , مضيفة انا لقائد الانكليزي بعد انتهاء المعركة حضر لبيت المختار وقالله انه عرف اسماء بعض الثوار ويريد مساعدته للاستدلال عليهم , وقال له ان اسم احدهم “يعبد” , فقال له المختار ان هذا اسم بلدة جاء بعض ثوارها ليفزعوا لاهل ام الفحم وليس اسم شخص معين. وروى اخرون من اهلنا ان بعض الجنود دخلوا للاختباء في بعض الطوابين عند النساء , حتى يروى ان جنديا دخل الى احد هذه الطوابين وفيه احدى النساء واثناء دخوله مشيا الى الوراء , كوته بنار الطابون ,فولى هاربا. وبحلول المساء انتهت هذه المعركة مخلفة ورائها ما بين20-30 قتيلا انجليزيا حسب رواية الاهالي ,ولم يصب احدمن الثوار ,حسب روايتهم , رغم انه سرت اشاعة بأن يوسف ابو درة اصيب فيها, ولكنها كانت مجرد اشاعة. وانسحب الانجليز مرغمين “وهم يجرون اذيال الخيبة والانكسار , اما الثوار فقد انسحبوا دون ان تقع بين صفوفهم اية اصابة وبعد ان سجلوا نصرا رائعا , وقد كانت جولات رائعة للقائد يوسف الحمدان لا بد من ذكرها انصافا للحق”.

 اقوال المجاهد صبحي ياسين:

فيما كتب القيادي الفلسطيني اكرم زعيتر في يومياته ان القتال استمر قرابة 8 ساعات استخدمت فيه مدافع جبلية وطائرات قاذفة, واستشهد خمسة مجاهدين وجرح ثمانية . ويضيف زعيتر ان :”اصابات الجيش (الانكليزي)جسيمة دلت عليها سيارات الاسعاف التي ظلت تغدوا وتروح حاملة القتلى والجرحى . وفي البلاغ الرسمي(الانكليزي) اعلن المندوب السامي اسفه لمقتل جنديين بريطانيين وجرح اثنين فيهما ضابط”. ….ومن المعارك الاخرى التي شارك فيها الفحماويون بما فيهم الشهيد ابو العبد , سواء بالعمليات العسكرية او بتوفير الملجأ والمأوى للثوار اثناء انسحابهم , نذكر “معركة اليامون”  3-3-1938م ,  حيث كانت القوات البريطانية وبعد هزيمتها النكراء في معركة ام الفحم ,قد قررت الانتقام من الثوار فتجمع ما يزيد عن 3000 جندي انكليزي مدججين بالسلاح والدبابات والمدرعات تساندهم الطائرات بفرض طوق محكم من جبل اسكندر لغاية قرية اليامون , بهدف تصفية الثوار الذين اتخذوا من هذه المنطقة منطلقا لهم. بدأت المعركة عند العاشرة من صباح يوم 3-3-1938 :”بعد نجاح القوة البريطانية في فرض طوق حول  مواقع الثوار استمر حتى حلول الظلام , عندما استطاع الثوار فتح ثغرة ومن ثم الانسحاب, وقد اشترك فيها حوالي 3000جندي بريطاني بالاضافة الى مفرزة من قوات الحدود الاردنية  وتسع طائرات استدعت بعد 15 دقيقة من بداية الاشتباك  مقابل 300  ثائر فلسطيني, وقد اعترفت القوات البريطانية بجرح ضابط ومقتل جندي وجرح آخرين واصابة 5 طائرات اصابات طفيفة كما ادعت قتل 60 ثائر او اسر 16 آخرين .اما الثوار فقد اعلنوا من جانبهم عن استشهاد تسعة كان احدهم الشيخ عطية احمد عوض قائد الثوار , بالاضافة الى اكثر من ثلاثين مناضلا من النجدات العربية وسقوط عدد كبير من الجرحى, كما اعلنوا عن مقتل وجرح اكثر من 70 بريطانيا”.

ويضيف المؤرخ العسكري الفلسطيني رجب الرضيع ان بريطانيا حاولت من خلال هذه المعركة – معركة  اليامون – مفاجأه الثوار والقضاء على قيادة الثورة في المنطقة باستدراج اكبر عدد من المقاتلين والقوات المحلية , واستطاع الثوار الصمود على جبهة طولها كيلومترين ، من جبل اسكندر في ام الفحم وحتى اليامون . ونقلت صحيفة “دافار” (6-3-1938) تفاصيل المعركة معقبة عليها بالقول : “يبدو ان معركة يوم الجمعة – بعد الظهر- هي الاكبر منذ اندلاع الثورة” , واضافت الصحيفة ان من بين الاسرى مناضل عربي من السودان تم اسره وبحوزته بندقية المانية و50 رصاصة. ويذكر احد المعاصرين لتلك الفترة من ابناء ام الفحم انه تم نقل رفات الشهداء الى جنين . ويضيف ان قائد الفصيل الفحماوي يوسف الحمدان اوكله باعداد العدة للانتقام من الانجليز اثر معركة اليامون :

“اوكل الي قائد الفصيل يوسف الحمدان مهمة الاستطلاع ومن داخل المعسكر- البريطاني الذي اقيم على ظهرة الشيخ (جبل اسكندر) , ارتديت ملابس العمل البسيطة وفوطة العمل على صدري وحملت عدة العمل والسندان ووليت وجهي صوب المعسكر ووصلت باب المعسكر”. الا ان امر هذا الفحماوي سرعان ما انكشف , “وعلى الفور جلبوا عشرات الزعماء العائليين والشخصيات الى المعسكر واعلنوا ان أي هجوم للثوار سيعقبه قتل المحتجزين ثم هدم القرية وحرق الاخضر واليابس ” ..

ولما كان الثوار على علم بالحقد الذي يملأ قلب القيادة البريطانية وتصيدهم الفرص للانتقام من اهل ام الفحم ثأرا لمعركة ام الفحم قبل عدة اشهر, فقد تقرر العدول عن القيام بهذه العملية الانتقامية لمعركة اليامون . وكان لاعتقال يوسف الحمدان بعد مدة قصيرة من معركة اليامون عاملا آخرا في تأجيل الانتقام من القوات الانجليزية كما كان مقررا , فقد نجحت القوات الانجليزية من اعتقاله قرب “الخضيرة” وتم ايداعه في سجن عتليت , الا انه وخلال عمله خارج السجن استطاع الهرب ليلتحق مجددا بالثوار , ونقل “شلومو بن الكنا”  في كتابه – “قصة تحقيق” ان اشاعات سرت حينها ان هروب يوسف الحمدان تم “بالاتفاق” مع مدير السجن الضابط “كلمان كوهين” لقاء تسليمه يوسف ابو درة , الا ان الحمدان تحايل عليه ونجح بالافلات والانضمام للثورة ,ليشارك بمعاركها حتى استشهاده في اواخر الثورة – 1939. لم تطل مدة حبس يوسف الحمدان في “حاووز” عتليت, فقد استطاع الافلات والهرب لينضم مجددا للثورة وليقود عملية الهجوم على مستوطنة “جفعات عادا” في10-7-1938 والتي قال عنها المؤرخون الاسرائيليون انها : “من اجرأ العمليات التي نفذها رجال العصابات طوال فترة الاحداث”. تلت عملية جفعات عادا, معركة اخرى حدثت في منطقة ام الفحم وهي المعركة التي عرفت باسم “معركة رمانة” ( 16-8-1938) رغم انها حدثت فعلا في قرية الطيبة التابعة لام الفحم .

وقد ذكر اكرم زعيتر هذه المعركة في كتابه “الحركة الوطنية الفلسطينية 35- 1939”  قائلا :

” وتلخص معركة رمانة في ان القوات -الانجليزية-طوقت قرى ام الفحم وعانين ورمانة وعرعرة وسيلة الحارثية و اليامون , فاصطدم بها المجاهدون في الطيبة واستمرت المعركة اربع ساعات , واستشهد منهم سبعة ابطال وجرح ثلاثة , اما الجند فقد قيل ان عدد قتلاهم  يربو على الاثني عشر قتيلا ” .

و”كرد فعل لما حدث في الطيبة-ام الفحم- ورمانة ,قامت مجموعة من فصيل يوسف ابو درة بقيادة يوسف الحمدان وعدد كبير من الثوار (قرابة المائة) من ام الفحم وقراها وكفر قرع (عرفنا منهم المرحوم مصطفى عرباصي) ومن عين غزال (ومنهم سليم الصعبي) بنفس ليلة 16-17-8-1938 باقتحام سجن عتليت , حيث تمكنوا من تحرير قسم من المعتقلين العرب ومن اختطاف ضابط السجن “موشيه لازاروفيتش” – ابو موسى- وزوجته واخيها واولاده الثلاثة, وضابط شرطة عربي (انعام جابر) , بعد تلقيهم المساعدة من بعض رجال الشرطة العرب الذين كانوا يخدمون في المعسكر, وفتحوا لهم الابواب , فيما وجه احد الضباط العرب من عائلة غريب امرا لرجال الشرطة العرب عدم اطلاق النار على الثوار المهاجمين , ليمكنوهم من اقتحام المعسكر … وقد اطلق ابو درة سراح الاولاد بعد 7 ايام حيث قامت بعض نساء قرية الغبيا التحتا العربية باعادة الاطفال ومعهم رسالة من القائد ابو درة لمختار مشمار هعيمق ينبئه فيها “ان العرب لا يقتلون الاطفال” , وقد البسوهم اللباس العربي – دمايات- واوصلنهم حتى مدخل مشمار هعيمق سالمين ,اما الباقون فقتلوا في ظروف غامضة …واستطاع الضابط بن الكنا – الذي اطلق عليه الفلاحون اسم ابن كنعان – بعد مشوار بحث طويل خلال سنوات الحكم العسكري زار خلالها ام الفحم وقراها وقرى اخرى في منطقة المثلث والساحل – التوصل الى مكان دفنهم قرب قرية “عين حوض” …..

شارك ابو العبد والثوار الفحماويون في معركة ام الدرج في 11-9-1938 بقيادة يوسف ابو درة حيث “دارت رحى معركة حامية اتسعت حتى شملت مساحة طولها 12كم واستمر القتال مدة ثماني ساعات التحم خلالها الثوار بالسلاح الابيض مع الاعداء”, ويضيف صبحي ياسين : “ومن الحوادث التي تُذكر لابطالنا بكل فخر واعجاب , ان القائد يوسف الحمدان ضرب القائد الانكليزي بالسيف في تلك المعركة ففصل رأسه عن جسمه” , وقد اشتهر يوسف الحمدان باستعمال السلاح الابيض بالمعارك”. اضافة الى هذه المعارك فقد شارك الفحماويون الملتحقون بالثورة بالعديد من المعارك مع قوات الاستعمار الانجليزي , ومنها معركة الجعارة , وذكر احد الثوار الفحماويين ( توفيق صالح اسماعيل جبارين) ,  ان فصيل يوسف الحمدان شارك في هذه المعركة حيث اشتبك اثناء عودته من حيفا عن طريق ام الزينات ” فنصب الانجليز كمينا للثوار وحدث اشتباك استمر قرابة ثلاث ساعات ,ومررنا ولم يصب احد بأذى “.

وشارك فصيل يوسف الحمدان والاخوين فارس ومعهم ثوار ام الفحم في معركة اجزم , التي استشهد فيها 12 ثائرا وكانت الطائرات الانجليزية تلقى القنابل الكبيرة الحارقة على الثوار . وشارك الفحماويون ايضا في معركة “بيت راس” ,  ويروي الشيخ صالح توفيق صالح اسماعيل ان الثوار قتلوا اربعة جنود من الانكليز واستشهد اربعة من الثوار ,ويضيف ان الاعداء استعملوا الدبابات : ” وقمنا بمهاجمتها, الا ان احدى الدبابات  “طلعت”  على احد الثوار , فلم نحتمل المنظر , فهجمنا نرفع الدبابة وقائدها لم يحرك ساكنا , ولم يطلق النار علينا “.

في هذه الاثناء كان القائد احمد الفارس وفصيل يوسف الحمدان يوالون نشاطاتهم العسكرية ضد القوات الانجليزية , وحدث الصدام مع قائد ثورة منطقة جنين –يوسف ابو درة حتى كادت ان تنشب معركة مسلحة بين فصيل علي الفارس ويوسف الحمدان وبين فصيل ابو درة بعد اتهام(الاخير) بقتل مختار رمانة “رشاد المصطفى الاحمد” , ومرة اخرى كادت قوات الثورة تشتبك ببعضها البعض عندما عاد احمد الفارس من حيفا وجمع الثوار ومعهم يوسف الحمدان والتقوا بيوسف ابو درة في اللجون في بيت سليمان مصطفى العبدلله , وكادوا يشتبكون لولا تدخل وجهاء اللجون , وبعد يومين عُثر على سليم الصعبي مقتولا ومدفونا في “رجوم” الروحة , فغادر ابو درة البلاد ووصل الاردن وهناك القت القوات الاردنية القبض عليه وسلمته للانكليز وجرت له محاكمة بتهمة قتل رشاد الاحمد وشهد عليه مواطن من ام الفحم كان قد تعرض ظلما للتعذيب على يد ابو درة , وحكمت المحكمة باعدام ابو درة في 30-9-1939. غير ان ثوار ام الفحم حافظوا على نقاء ثورتهم وسيرتهم واستمروا في حربهم ضد المستعمر الانجليز يعدوهم الاول والاساسي , ولعل الحقيقة ان آخر معركة من معارك شمال فلسطين عامة ومنطقة ام الفحم – جنين خاصة , كانت معركة استشهاد البطل يوسف الحمدان  في 1939تثبت ذلك.

استمر فصيل احمد الفارس ويوسف الحمدان وثوار ام الفحم في تصديهم للانجليز فيما غادر علي الفارس البلاد الى دمشق بطلب من القيادة, وكانت القوات الفرنسية قد اعتقلته قرب درعا , وطالب الاردن تسليمه اليها بتهمة محاولة قتل جنود اردنيين , فتوجه وفد من عشائر المحاميد في درعا يرافقهم فياض الفارس وشخصيات اردنية للامير عبدالله طالبين العفو عن علي الفارس , فكان لهم ذلك , وقام “غلوب باشا” بتسهيل اطلاقه بعد تسلمه مباشرة من الفرنسيين بدعوى: “انه ليس لحكومة فلسطين(الانكليزية)أي ملف جنائي او غير جنائي ضد علي الفارس” –اقوال ابو فاروق , وصحب الوسطاء علي الفارس في العام 1941الى ام الفحم واستقبلوا احسن استقبال .

يذكر الفحماويون ان “يوسف بيك الخليل” وهو ابن مصطفى باشا الخليل, احد الاقطاعيين الذين امتلكوا اراضي في فلسطين, والذي سكن بل وامتلك قرية الغبيةالتحتا (قرب اللجون) وكان على علاقة حميمة مع حكومة الانتداب والقادة الصهيونيين , وعلى علاقة مع مدير بوليس حيفا ومع مساعديه الضابط “كوهين” والضابط “صوصة”, اللذان عرضا عليه بحكم صداقته مع الثوار ايضا ان يعرض عليهم التسليم مقابل العفو ,فدعا اليه القائد يوسف الحمدان, بعد معركة المنسي وعرض عليه العفو الكامل والمعاش الابدي من الانجليز مقابل توقف فصيله عن الثورة , الا ان يوسف الحمدان رفض هذا العرض وتوجه من فوره الى القائد احمد الفارس واخبره بما حصل, ويقال ان احمد الفارس غضب من  يوسف الحمدان لمجرد اجتماعه مع يوسف بيك الخليل ,  ثم غادر ام الفحم باتجاه بيت يوسف بيك في قرية الغبية التحتا ونادى عليه وسأله عن العرض الذي تقدم به ليوسف الحمدان, ولما اعترف يوسف بيك بذلك اطلق عليه احمد الفارس النار وارداه قتيلا. يذكر ان مختار كيبوتس مشمار هعيمق – “الخواجة سليم” – نقل بسيارته يوسف بيك لمستشفى العفولة الا انه فارق الحياة قبل وصوله متأثرا بجراحه. نذكر هنا ان بعض المصادر نقلت معلومات عن محاولة الشهيد يوسف الحمدان تسليم نفسه للانجليز والتعاون معهم ضمن قوات “فصائل السلام” , وقد كتب الضابط اليهودي شلومو بن الكنا ان الحمدان توجه عبر عائلة “مقبل” من قرية السنديانة للتوسط لدى الانجليز ولدى فخري عبد الهادي لهذا الغرض , ويضيف ابن الكنا ان هذا الامر لم يتم, ليستمر ابو العبد بجهاده ضد المستعمر الغاصب. تجدر الاشارة هنا انه وبعد قتل يوسف بيك الخليل ,امتطى الفارس احمد الفارس صهوة جواده وتوجه باتجاه قرية كفر قرع حيث كان الثوار مجتمعون , ولم تمض بضع ساعات حتى كانت القوات الانجليزية تحاصر احمد الفارس وتنصب له كمينا على مفرق كفر قرع وتنجح قوات الغدر اخيرا ان تغتال احد ابرز القيادات الشجاعة والحكيمة لثورة فلسطين – احمد الفارس-  في اواخر 1938 .

 آخر معارك ثورة المرج واستشهاد يوسف الحمدان1939م:

لم تتوقف الثورة بعد استشهاد احمد الفارس , فقد حدثت بعد ذلك العديد من المناوشات والاشتباكات والعمليات العسكرية المختلفة ضد قوات ومنشآت الاحتلال البريطاني . وبالمقابل استمرت القوات البريطانية في ملاحقتها للثوار واغتيالهم, وقبل اسدال الستار على احداث ثورة مرج بن عامر- او قل ثورة ام الفحم ومنطقتها حدثت معركتين هامتين الاولى اطلق عليها الفحماويون اسم معركة “خلة الحمارة” , وهي الثانية في هذه المنطقة, وشارك في هذه المعركة الحامية – الفصيل الفحماوي وبمشاركة العديد من الثوار في  قرى المنطقة, من السيلة ومن اليامون, اضافة الى العديد من ثوار المرج من قبائل التركمان. واما المعركة الثانية وكانت عمليا آخر معارك الثورة في منطقة ام الفحم وهي “معركة الطفوف” التي اُستشهد فيها يوسف الحمدان كما سيأتي تفصيله لاحقا. كان العديد من قيادات الثورة قد التجأ الى سوريا ولبنان بعد استشهاد احمد الفارس, وكان القائد يوسف الحمدان احدهم , الا انه سرعان ما قرر العودة لمواصلة الثورة ضد الانكليز , وفعلا عاد يوسف الحمدان والقائد ابو بكر من قرية شعب ومحمود الديراوي من دير ابي ضعيف ومعهم قرابة 200 مقاتل ودخلوا فلسطين من جبال البصة شمال فلسطين  :

“وصلنا قرية كوكب ابو الهيجا وحاصرنا الانجليز واختبأنا اكثر من يوم , تقسمنا الى مجموعات من 20-25مقاتلا واكرموا جانبنا , وكنت ضمن مجموعة اختبأت في احد الكهوف , وغطونا بالقش ورفث الحيوانات حتى يئس الانكليز واخلوا المنطقة ثم تفرق كل فصيل الى منطقته وقواعده .

عاد يوسف الحمدان الى الوطن في وقت حرج جدا للثورة, حيث انتقل زمام المبادرة من يد الثوار الى يد الانجليز واصبح من الصعب على الثوار ان يفرضوا المعركة وفق شروطهم , وبدأت القوات البريطانية  ” عملية نزع سلاح عامة , بالتعاون مع العناصر المعادية للثورة استطاعت خلالها الاستيلاء على 2076 بندقية785 مسدسا, 235 بندقية صيد, كما استطاعت احتلال وتفتيش 758 قرية حتى تموز 1939. وادى الضغط المتزايد الى انهاك الثوار واهتزاز تنظيماتهم وخاصة بعد فقدان القيادة العسكرية والسياسية الفعالية القادرة على تحدي تفوق الخصم الساحق , فالقيادة العسكرية لم تعد موجودة في الداخل من الناحية الفعلية, وخاصة بعد استشهاد القائد العام للثورة عبد الرحيم حاج محمد في اذار 1939 , وقيام عارف عبدالرازق بتسليم نفسه للسطات الفرنسية على الحدود اللبنانية , ووجود عبد القادر الحسيني خارج البلاد منذ خريف عام 1938″. وبمجرد وصول يوسف الحمدان وفصيله الى منطقة ام الفحم قامت القوات الانكليزية ,قدر صبحي ياسين عددها ب5000 جندي بقيادة الجنرال “مورتون”  القائد العسكري لمنطقة جنين (اسماه الفحماويون “مارتين”) بفرض طوق شامل على البلدة , بعد ان بلغها نبأ وصوله ومكان تواجده من احد رجاله , وفق ما ادعت وثيقة للهاغانا مؤرخة في17-12-1939, ويحدث الاهالي ان “مورتون” هذا كان “ظالما, مجرما ومتسلطا على المنطقة , يفعل ما يشاء بغير حساب”, وقد جمع اهل البلد عند منطقة الكينا- من احياء البلدة -واعتلى شجرة زيتون وجلس على فرع من فروعها وبدأ يخاطب الناس بعنجهية ووقاحة متناهية ويهز رجليه بغرور واستعلاء . واخذ يهاجم المخاتير والزعماء والوجهاء مخاطبا الاهالي بلهجته العربية قائلا :

“كان لرجل ما ولد مدلل كان يطعمه احسن الطعام ويلبسه احسن اللباس ولكن الولد عندما كبر اصبح يشتم اباه ونحن ايضا كان لنا ولد وكان مدللا واضاف : كان بامكاننا ان نقمع الثورة ولكننا امتنعنا عن ذلك , ولكن الان لن نسمح باستمرار هجمات الثوار” . وطالبهم بأقناع يوسف الحمدان تسليم نفسه للسلطات واعدا اياهم انه لن يمسه بسوء . ولكن يوسف الحمدان رفض تسليم نفسه , وانتشر الثوار في مناطق ام الفحم , ويحدث الثائر توفيق صالح اسماعيل جبارين – من قرية مشيرفة :

ويضيف الاهالي محدثين عن صدق جهاد القائد يوسف الحمدان , انه لما اشتد الطوق من حول الثوار ,حاول بعضهم اخذه واخبأءه في بيته الا انه رفض قائلا : انا عاهدت الله الا اخون او اهون او اتراجع .

“لقد ذهب بعض الرجال لفحص امكانية افلاتنا من الطوق , وبالقرب من “الست خيزران” طوقتنا النساء وارغمتنا على دخول احد البيوت, لقد شاهدت عشرات الجنود ينقضون نحونا , دخلنا خوابي القمح في بيت ابو مصطفى الدوبلي وهاجمت الفرقة البيوت تبحث عنا, كنتا نا والثائر الشيخ محمد (يوسف الكرم) وكان يحمل مصحفا صغيرا يقرأ فيه , والخابية مكان ضيق فأخذوا يدخلوا يديهم من الطاقات- النوافذ- الصغيرة وكنا في كل مرة نرفع ارجلنا الى اعلى حتى كادوا يمسكوا بنا في اكثر منمرة “.اقوال الثائر توفيق صالح. واستطاع الثوار بعد ذلك الانسحاب والوصول الى منطقة طفوف ابو عويمر – الشارع الرئيس امام موشاف ميعامي – والانجليز وراءهم على “الصواري” (الخيول)وحدثت المعركة ولكنها لم تدم طويلا .

وينقل الاستاذ تيسير خالد مؤلف كتاب “عرين الثوار”, عن السيدة  عفيفة حمدان , شقيقة الثائر يوسف الحمدان ان اخاها واصحابه قاتلوا ببسالة وقاوموا قوات الاستعمار وقُتل وهو يقاتل ويقاوم لانه رأى الشهادة تزغرد كما حكى وكما صاح مخاطبا المقاتل الثائر ابو شتيوي – هو محمد اشتيوي من قبيلة بني سعيدان من عرب التركمان ,رفيق درب احمد الفارس  – (المؤلف)  حيث قال له :” فتحتا بواب الجنة يا  اشتيوي ” . واستشهد البطل. هذا البطل الذي كتب عنه اكرم زعيتر  قائلا انه :” المجاهد الشجاع يوسف الحمدان,” ومعه لفيف من اخوانه الابطال , عرفنا منهم :

الفحماوي محمد الشيخ يوسف كرم محاميد .

– عبد الوهاب مصطفى عثمان جبارين (مشيرفة) قتل في منطقة بدرانة ,عين جرار.

– عبد الرؤوف ابو شرقية من قرية جت

– مسعود ابو رزق – جت

– محمد مصطفى قرمانو من سكنة ابو كبير – قرب يافا.

– عبد مصطفى قاسم من ربية.

– محمد الشامي- ثائر سوري عاش في ام الفحم واستشهد في اخر معاركها , ويذكر الاهالي انه القي القبض عليه حيا, بعد ان اصيب بجراح في المعركة , الا ان الانجليز قتلوه وهو مكبل في الطريق للاسر في جنين .

اضافة الى اخوانهم من المناضلين ابناء القبائل التركمانية, الشهداء :

محمد اشتيوي , من قبيلة بني سعيدان التركمانية .

– القائد الشيخ ابراهيم شلهوب الحجات وهو من عرب العلاقمة من المنسي.

– القائد خالد ابو فواز كاتب الثورة , من عرب العلاقمة .

– الثائر احمد صالح المصطفى الجلجميني من عرب العلاقمة .

– القائد محمد ابو رميلة من عرب العلاقمة

– عبد الحميد قاسم الجندي من بني سعيدان.

“وقد تم قتل عدد من الجرحى اثناء نقلهم الى جنين, “فقد جروهم بجروح دامية وقتلوهم في القيادة الانجليزية في جنين”. ويقول بعض الاهالي ان طبيبا عربيا كان من بين الثوار ونجا من المعركة ولا يعرفون شيئا عنه سوى انه كان قصير القامة ولم ننجح في الاستدلال عليه من يكون ؟وبعد انتهاء المعركة انسحب الانجليز بعد ان احضروا جثث الثوار والقوا بها على بيادر الميدان . وحدثنا بعض الرواة ان جنود انجليز حملوا جثمان يوسف الحمدان من يديه ومن رجليه في حين كان ظهره يرتطم بالأرض , وقد تقاسمت الحمائل الفحماوية الجثث ودفنتها ووضعت النساء التشاكيل على الجنازات , فيما النساء اقمن “زفة” لشهيدين من رمانة في الجامع , حتى حضر اهلهما واخذوهما على الجمال . وحين انسحب الانجليز هاجمت النساء صفوفهم ببسالة بالحجارة والعصي , ثم اخذن يعفرن (ينثرن) السكن (الرماد) على رؤوس الانجليز , ولم يجرؤ احد من الرجال على منع النساء من ثورتهن العارمة واستماتتهن في ايذاء الانجليز . ” اقوال عفيفة الحمدان  .واخذ الجنود الانجليز بالاعتداء على النساء بالكرابيج (السوط) اثناء عملية الانسحاب . يُذكر ان الانتداب الانجليزي اعلن عن مكافأة قيمتها500 جنيه استرليني لكل من يساعد في القبض على القائد يوسف الحمدان , بينما كانت المكافأة المعلنة على القائد يوسف ابو درة 250 جنيه استرليني .

وجاء في كتاب “العصابات العربية” لمؤلفه عزرا دانين ان المدعو “احمد ابو زيتون” من قادة الثوار في لواء طولكرم قرر ان يسلم نفسه للانتداب ويتعاون معهم ,واختار التعامل مع اليهود في حيفا ووهب نفسه في محاولة تسليم “صديقه وزميله” القائد يوسف الحمدان للقوات الانجليزية ,وقد كافأه الانجليز على ذلك بمبلغ من المال وان لم يكن كل قيمة المكافأة المعلنة 500 جنيه استرليني, لانها توزعت على الكثير من المتعاونين الذين تطوعوا على اخبار الانجليز موقع وتحركات يوسف الحمدان. ويضيف عزرا دانين في كتاب اخر له ان المخابرات الصهيونية – قبل قيام الدولة – ساعدت القوات الانكليزية على تصفية قيادات الثورة , ويؤكد ان ضابطا في شرطة “الخضيرة”- يدعى “بنحاس ميتال” هو الذي قاد القوات الانكليزية لمكان تواجد يوسف الحمدان بعد ان ساعدوه في ذلك بعض المتعاونين العرب . نُقل رفات الشهيد يوسف الحمدان الى قرية اللجون مع رفات الشهيد محمد الشامي ,فيما دُفن محمد اشتيوي في ام الفحم بجانب ضريح احمد الفارس تلبية لوصيته . وتروي عفيفة الحمدان وغيرها العديد من الاهالي ان عشرات الالاف من ابناء فلسطين هبوا للمسير في جنازة الشهيد البطل وتقول :

” كان الرجال يردحون بالحطات والعُقل , هذه اول مرة ارى فيه الرجال تبكي وتنوح وتردح , اول مرة ارى الرجال يغنون ويزغردون مع المآقي الملتهبة المتفجرة, وكانت (زينب الشيخ عبدالله) تحدو بالاشعار الثائرة والرجال والنساء يرددون, مئات  الحلقات تنط  (تقفز) وتلوح وتبكي , وكل مجموعة تأتي الى اللجون تبكي وتنعي آخر الثوار  …مرج ابن عامر يضيق ببني البشر …” . هذا وفي حين يذكر بعض الاهالي ان هذه المعركة واستشهاد يوسف الحمدان حدثت في فصل الشتاء, الا ان الاستاذ اكرم زعيتر يقول في يومياته انه تلقى يوم 25-5-39 ” تفاصيل عن محاصرة جديدة لقرية ام الفحم من قبل القوات البريطانية واشتباك مع الثوار حين محاولتهم الانسحاب استشهد فيه المجاهد الشجاع يوسف الحمدان(من ام الفحم ومساعد القائد ابي درة) ولفيف من اخوانه الابطال : محمد يوسف كرم وغيره ” , ويختم زعيتر اقواله بالقول :

ان الفلسطينيين قد يملون كل شيء الا الاستشهاد في سبيل الله“.

واذا ما صحت يوميات زعيتر فأن استشهاد يوسف الحمدان كان في النصف الثاني لشهر ايار 1939 والارجح انه في 24- 5- 1939 , كما كتب ذلك ايضا صبحي ياسين في كتابه “الثورة العربية الكبرى”, كما وان بعض المصادر العبرية تؤكد هذا التاريخ . فيما قال مصدر عبري اخر ان المعركة التي استشهد فيها الحمدان وصحبه حدثت في 17-12-1939 , وتؤكد صحيفة “دافار” هذا التاريخ , وليس في شهر-5-1939 كما ذكر سابقا .

فقد جاء في أحد تقارير الهاغانا والمؤرخ في 18-12-1939 الى أن القائد يوسف الحمدان قد استشهد في 17-12-1939مع أحد عشر مجاهدا كانوا معه في أم الفحم ، وجاء في التقرير :

” أمس كان يوم الثأر الأكبر ويوم الحساب العسير الذي أنهى درب الآلام وسفك الدماء ، حيث تم القضاء على يوسف الحمدان ومعظم معاونيه منذ فترة طويلة ، تنقل يوسف الحمدان من مكان الى آخر دون أن يجد الراحة لنفسه ورجاله ، توجه الى فخري عبد الهادي كي يتوسط بينه وبين حكومة الانتداب لتعيينه رئيسا لفصيل سلام ولكن هذا الأمر لم يتم ، كما أن دور آل مقبل الذين اعتمد عليهم يوسف الحمدان انتهى تقريبا في الآونة الأخيرة فلم يعد لهم أي تأثير ، جاء يوم السبت جالبا معه الخير كله إذ خرجت اعداد كبيرة من الجنود في سيارات عسكرية الى أم الفحم وعلى رأسها جاسوس ، حدث تبادل لاطلاق النار في القرية استشهد على إثره ستة من الثوار على الفور ، أما الستة الباقون فعلى ما يبدو جرحوا وأسرعوا الى ملاقاة إخوانهم في الجنة ( يبدو أنهم أعدموا ) ، هرب اثنان وقد تم الاستيلاء على ثلاث عشرة بندقية ومسدسين وقنبلتين”.

بسقوط يوسف الحمدان, خسرنا الشاب الذي كان اول من استعمل السلاح الابيض ضد العدو“… اقوال الكاتب الفلسطيني صبحي ياسين .

هذا ولم تمض فترة طويلة على استشهاد يوسف الحمدان وصحبه الثوار حتى قام مناضل ,نصف معوق من قباطية بالانتقام من “مارتين” القائد الانجليزي الذي لاحق فصيل يوسف الحمدان , فقد ادعى ان يده مكسورة ووضع السلاح في داخل الجبس , ودخل الى مكتب مارتين(مورتون) في مقره بجنين واخبره ان معه رسالة , فما ان بدأب قراءتها حتى قام هذا المناضل باخراج سلاحه واطلاق النار عليه , فاصابه بجراح بالغة ,وهرب من المكان ولاحقته القوات الانجليزية واغتالته ليسقط شهيدا اخر من شهداء الثورة.

وعن شخصية يوسف الحمدان وفصيله ورد في تقرير استخباري صهيوني مفصل عنه (بعد استشهاده) بــ 19-8-1940 ما يلي:

” في الاربعين من عمره، كان يتحرك في اغلب الاحيان بين القرى في الليل ، يروي القرويون عنه انه كان مؤدبا جدا، وذا اخلاق حميدة ، ويعامل الفقراء معاملة جيدة ويعطف عليهم ، إنصبَّ جل اهتمامه في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني واليهود ،ولا توجد معلومات عن قيامه بتعذيب المعتقلين”.

أما عن مصادر تمويله ، فقد ورد في التقرير آنف الذكر ما يلي:

” يُروى انه لم يحصل من الخزينة المركزية( لقيادة الثورة في دمشق) على اي مبلغ من المال ، كان تابعا لمدة طويلة الى القائد يوسف ابو درة وباسمه أنشأ فصائل منظمة في قضائي جنين وطولكرم، لما هرب القائد يوسف ابو درة اعتمد يوسف الحمدان على الضرائب التي فرضه اعلى القرى … لأجل ذلك عين في كل قرية ممثلا عنه وظيفته تركيز الضريبة وجمعها من قمح وشعير وغيرها وبذلك أنشأ طريقة عصرية في جباية الضرائب، اذ ان قادة(العصابات) الاخرى اعتادوا اختلاس الاموال ورافقت ذلك بلبلة ، لم تواجه يوسف الحمدان أية مشاكل او صعوبات في جمع هذه الضرائب لأن ممثله في القرية كان يخبره على الفور باسم الممتنع الذي كان يعاقب امام الجمهور ، لم يجرؤ احد على الامتناع لان الجمهور كان يشارك في عقابه. عبر الاهالي عن تأييدهم ومحبتهم “لعصابة” الحمدان بواسطة الشعارات والصور ، لم يكن هناك من يجرؤ على اخبار الشرطة بأماكن تواجد افراد هذه العصابة لأن العقاب هو الاعدام بقرار حكم فوري . عادة كان يجمع المال نقدا بعد ان يقوم قائد الفصيل بزيارة القرية بنفسه. ولم تزد الضريبة على مئة جنيه فلسطيني وفي معظم الاحيان حتى خمسين جنيها فلسطينيا.

أما عن قيادة فصيل يوسف الحمدان فقد ورد في نفس التقرير ما يلي:

” ساد بين رجاله نظام عسكري بحت، كانت الطريقة تركية-المانية وفي الآونة الاخيرة انكليزية جراء هروب قسم ممن خدموا في الشرطة . “كان الانضباط شديدا بحيث كان اي اخلال بالاوامر يجر في اعقابه قرارا بالاعدام ..كان الهدف من ذلك منع الخوارج من اختراق العصابة ، كان الفصيل متماسكا ومتحدا الى حد المثالية ولكن اعتماد يوسف الحمدان كان في الحقيقة على عشرة من رجاله لا اكثر، ورغم ان حكم الاعدام كان مخيفا الا ان احد رجاله هو الذي خانه واخبر الشرطة عن مكان تواجده ، كانت الاوامر الصادرة عن قائد الفصيل غير قابلة للجدل ويجب ان تنفذ مهما كانت الظروف، كما كان باستطاعة هذا القائد ان يأمر حتى اولئك الذين لا ينتمون الى فصيله بتزويده بمعلومات ،وقد نجح بعض هؤلاء في اختراق الشرطة المركزية ، كان العرب يخبرون القائد بكل حركة مهما كانت ووفقا لذلك كان يُغيّر مواقعه ،ولذا من السهل ان نفهم فشل الشرطة في القاء القبض عليه”.

كان معظم سلاح فصيل يوسف الحمدان عبارة عن البارودة الالمانية والبارودة التركية وفي حالات نادرة لبارودة الانكليزية ، كانت حالة هذا السلاح سيئة للغاية اذ لم يكن هناك زيت خاص لمسح البارود او تنظيفه من الداخل، كان معظم هذا السلاح من مخلفات الحرب العالمية الاولى وخُزّن في مغاور مما ادى الى صدئه… في معظم الاحيان كانت البارودة تسمع صوتا او صدى وينفجر الرصاص بداخلها واحيانا كانت الباغة تخرج مفلوقة واحيانا لم يعمل الدفاش، نوع آخر من السلاح كان اللغم الذي هدد المستوطنات اليهودية وطرق المواصلات.

ترك الشهيد يوسف حمدان محاجنه في اللجون زوجة (خديجة صالح محاجنه) بدون ابناء ولكنه كان متزوجا من امرأة اخرى من الغبيات( شناره ابو رميلة) التي مرت تحت اللحد يوم جنازته لتعلن انها حامل منه كما كانت العادة وكانت عده محاولات للعثور على الابن , ولكن عندما علمت زوجته بهذه المحاولات تركت منطقه طولكرم الى الاردن, وادعى فيما بعد شخص من اربد يدعى “ابو شاهر” من عشيرة ابو رميلة انه ابن القائد يوسف حمدان ,وحضر لزيارة الاهل في ام الفحم , ولم يتم التأكد من صحة نسبه كما اعلن احد الفلسطينيين المغتربين انه حفيد يوسف الحمدان ويدعى محمد حمدان يوسف الحمدان , مقيم بالولايات المتحدة الامريكية.

     المراجع:

  • ام الفحم واللجون , رحلة عبر الزمن. قراءة في سيرة المجاهد المناضل يوسف الحمدان من ابطال ثورة 1936
  • للكاتب : وجدي حسن جميل .
  • موقع بلدتنا www.BLDTNA.com
  • يوميات أكرم زعيتر – أكرم زعيتر
  • العصابات العربية – عزرا دانين

 

Standard
ثوار 1936

القائد يوسف سعيد أبو دُرّةً (أبو العبد)

القائد يوسف سعيد أبو دُرّةً   (أبو العبد)

 ولادته ونشأته:

ولد المجاهد الشيخ يوسف سعيد جرادات، والمعروف أكثر باسم يوسف أبو درة في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين سنة 1900 وتلقى دراسته الأولية في مدرستها. اشتغل في الزراعة لبعض الوقت، ثم انتقل إلى مدينة حيفا حيث عمل في السكة الحديدية.

 الانضمام للثورة:

كان الشيخ عز الدين القسام رحمه الله منارة علم وجهاد في حيفا، قل فيها من الناس من لا يعرفه، وقل من الناس من يأتي إلى حيفا ولا يتعرف عليه، ويتأثر به، وشهيدنا البطل قد تعرف على القسام رحمه الله، وسمع خطبه المنبرية الجهادية على منبر مسجد الاستقلال، وسمع دروسه في المسجد، فصار من تلامذته في العلم والجهاد، فانضم إلى حركة القسام الجهادية. واشترك معه في معركة أحراج يعبد، التي استشهد فيها القسام مع نفر من أصحابه (1935). وقد استطاع أبو درة أن يفلت من الطوق الذي ضربته القوات البريطانية حول الأحراج، بعدما رأى استحالة المقاومة واختفى عن الأعين بعض الوقت. وحين بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى (1936)،التحق أبو درة بها تحت قيادة الشيخ عطية أحمد عوض، قائد منطقة حنين فقام وأصحابه من المقاتلين في المنطقة الممتدة ما بين جنين وحيفا بمهاجمة المستعمرات والقلاع الصهيونية ونسف الجسور ونصب الكمائن للقوات البريطانية والصهيونية. ولقد لمع اسم المجاهد الشهيد أبو درة في فلسطين بشكل عام، وفي منطقة جنين بشكل خاص، إذ استطاع سنة 1937م أن يسيطر على قضاء جنين وما جاوره من قضاء الناصرة وعلى قرى جبل الكرمل.

وعندما استشهد الشيخ عطية في معركة اليامون في مارس 1938 تولى أبو درة قيادة المعركة التي حقق فيها الثوار الانتصار ثم أوكلت إليه قيادة المنطقة خلفا للشيخ عطية، وأصبح واحدا من الخمسة الذين يقودون الثورة في فلسطين. وشارك في الرد على بيان وزير المستعمرات البريطاني المتعلق بسياسة الحكومة البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد (1938). وقد جاء في ختام ذلك الرد بعد تفنيد البيان البريطاني:

هذا وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة مستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة“.

 نشاطاته وعملياته:

نفذ أبو درة ومجموعته عدة عمليات فدائية نوعية كان أبرزها مهاجمة مستعمرة “كفار خاروشت” ليلاً في مطلع 1938 حيث هاجموا سيارة بوليس يهودي وقتلوا عدداً منهم، كما شارك في معركة اليامون الكبيرة والتي تم خلالها التصدي لهجوم يهودي على بلدة اليامون. وتنسب لمجموعة أبو درة القيام بأعمال مميزة من بينها استهداف المستوطنين الصهاينة بعمليات جريئة مثل أسر ثلاثة منهم ينتمون لمستوطنة (جفعات عيدا)، وتمت عملية الاختطاف على بعد نحو كيلو متر واحد عن تلك المستوطنة، واقتيد الثلاثة إلى مقر الشيخ أبو درة وعقدت لهم محكمة ثورية أصدرت بحقهم أحكاما بالإعدام، وتم تنفيذ هذه الأحكام. وكانت عملية الأسر هذه حافرا للثوار للقيام بأعمال مماثلة، ولكن من أهم ما قام به أبو درة ورجاله هو الهجوم على مستوطنة جفعات عيدا نفسها في 10/7/1938 والذي جاء، حتى من وجهة نظر مؤرخي الجيش الإسرائيلي، في إطار ردود الفعل الانتقامية على الأعمال الإرهابية التي نفذها عصابة ايتسل الصهيونية بوضع القنابل والمتفجرات في الأسواق والأحياء العربية مما أدى إلى سقوط المئات من المدنيين الفلسطينيين. وخطط أبو درة ورجاله للهجوم على تلك المستوطنة التي تقع على إحدى سلاسل جبال الكرمل واعتبرت عملية الهجوم على تلك المستوطنة وفق مؤرخي الجيش الإسرائيلي بأنها “من أجرأ العمليات التي نفذها رجال العصابات طوال فترة الأحداث”.

تقدم يوسف حمدان المساعد الأول لأبي درة نحو مائة من الثوار وهاجموا المستوطنة وفق خطة أعدت سلفا ومن أكثر من محور، وحقق الثوار منذ بداية الهجوم، انتصارا موضعيا، وشلوا عمل حراس المستوطنة، ووصلوا إلى داخلها، وقتلوا وجرحوا العديد من المستوطنين ولم ينسحبوا إلا بعد أن بدأت النجدات تصل للمستوطنين. وكانت عملية أبو درة في هذه المستوطنة فاتحة لعمليات جريئة أخرى للثوار في مستوطنات أخرى. وعاد أبو درة إلى أسر المستوطنين، وكان ذلك يثير الذعر في أوساطهم، وفي 16/7/1938 هاجم رجال أبو درة سجن عتليت، بقيادة سليم الصعبي من قرية عين غزال، وفي أثناء ذلك أسروا ستة من عائلة صهيونية، ولم تنجح العصابات الصهيونية أو المحتلون الإنجليز من تحرير الأسرى، وضرب أبو درة مثلا مهما في التفوق الأخلاقي فأطلق سراح ثلاثة من المخطوفين لأنهم أطفال وقدم الثلاثة الآخرين إلى محكمة ثورية قضت بإعدامهم وهو ما نفذه رجال أبو درة.

وفي 19 يوليو 1938 هاجم نحو مائتين من الثوار بقيادة الشيخ يوسف أبو درة سجن عتليت الواقع إلي الجنوب من مدينة حيفا لتحرير السجناء العرب. ابتدأت المعركة باحتلال منزل يبعد عن السجن 300 م من جهة الشمال بينما قام فصيل ثان من الثوار بإطلاق النار على مراكز حراس السجن فقتلوهم. وكمن فصيل ثالث للنجدات الانكليزية القادمة من حيفا، وفصيل رابع اشتبك مع النجدات الانكليزية القادمة من الجنوب وكان من قادة الفصائل ابو شحرور من عرب التركمان وصالح المدبوح من شفا عمرو واستمرت المعركة ثلاث ساعات انحسب بعدها الثوار الى جبل الكرمل بعد ان قتلوا عشرين انكليزي اضافة الى ضابط يهودي حاول الهرب من الثوار. اما خسائر الثورة فكانت شهيدا واحدا من قرية قباطية هو محمد قاسم الشواهين.

كما نفذت مجموعة الشيخ أبو درة في 24 آب/ أغسطس 1938، عملية اغتيال “موفي او موفات” مساعد حاكم لواء منطقة نابلس في جنين. ومما يجدر ذكره أن المستر موفات كان شديداً على أهل فلسطين متحمساً لتهويدها، شرساً في معاملة الأسرى والمساجين من المجاهدين، واستمر في سياسته الحاقدة ومعاملته السيئة على الرغم من الإنذار الذي وجه إليه، والتهديد الذي حذر به، وعلى الرغم مما حدث لعميلهم حليم بسطا الذي كان مساعداً لمدير الشرطة من قتله رمياً بالرصاص، وعلى الرغم مما حدث لحاكم لواء الجليل المسمى أندروز إذ قتله المجاهدون وحارسه الإنجليزي على مسافة أربعة أمتار فقط فخرا صريعين.

وبينما كان المدعو موفات حاكم جنين قد أحاط نفسه بمجموعات من البوليس والجنود يحرسونه، ويحمون مقره بعد أن تلقى إنذاراً من المجاهدين كان هذا نصه:

من القائد الصغير يوسف أبو درة إلى مستر موفات.. إذا لم تحسن سلوكك مع الأهالي خلال ثمانية أيام فسأقتلك.”

ولكن المستر موفات ركب رأسه واستمر في سوءه، بل ازداد شراسة على أهل فلسطين، لأنه صليبي حاقد، اجتمع مع اليهود في كره المسلمين وعداوتهم، ولكنه نقل سكنه إلى معسكر الجيش البريطاني خارج جنين، واشتدت حراسته بالمصفحات، ولم يبق أي احتمال للاعتداء عليه. ولكن القائد المجاهد الكبير الذي أطلق على نفسه القائد الصغير الشهيد يوسف أبو درة كان صادقاً في وعيده، فبعد ثمانية أيام تماماً أرسل إليه اثنين من المجاهدين تسلق أحدهما أنابيب المياه حتى وصل الدور الذي به مكتب المستر موفات، فوجه إنذاراً إلى سكرتيره العربي رأفت الدرهلي، واجتاز غرفته إلى غرفة الحاكم البريطاني وأفرغ فيه رصاص مسدسين كانا معه، واستمر يطلق الرصاص دون أن يجفل أو يخاف، وعاد تاركاً المكان، بينما أخذ رفيقه يطلق الرصاص خارج البناء لتغطية الانسحاب، والحرس في ذهول وارتباك شديدين. جن جنون المندوب السامي، كيف يصرع المجاهدون أركان إدارته التهويدية في فلسطين، فأصدر أمره باعتقال عديد من العلماء والقضاة والأطباء والمحامين والمثقفين ونكلت السلطة بالشعب وزعمائه المجاهدين، فاعتقلت أعضاء اللجان، وعزلت رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وأبعدت إلى جريرة سيشل نفراً من المجاهدين.

كما هاجم الشيخ يوسف أبو درة ليلة 18 نوفمبر 1938 ومعه نحو مائتين من الثوار ثكنات الجيش الإنجليزي الموجودة في مدينة جنين وقتل عدداً من الجنود الإنجليز، وجاءت على أثر ذلك نجدات إنجليزية من مدينتي نابلس وحيفا تقدر بألفين وخمسمائة جندي واشتبكوا مع الثوار قرب قرية يعبد في معركة امتدت لتشمل منطقة واسعة، واشترك في المعركة طائرات إنجليزية كانت تلقي القنابل على الثوار، وخسر الإنجليز في هذه المعركة عدداً من الجنود فيما استشهد ستة من الثوار.

ومن كبريات المعارك التي خاضها معركة أم الزينات في 28/11/1938 في منطقة الكرمل. وقد كان عدد مقاتليه فيها بضع عشرات وعدد الجنود البريطانيين يتجاوز الألف تؤازرهم 13 طائرة حربية. وأسفرت المعركة عن استشهاد خمسة من الثوار ومقتل عشرات الجنود البريطانيين. وقد سرت شائعة إثرها عن استشهاد أبو درة، فأصدر بيانا وصف فيه المعركة وختمه بقوله:

هذا وإني أعلن ألا صحة مطلقة للإشاعة القائلة أني، أنا يوسف سعيد أبو درة، قد أصبت بضرر ما، فأنا لا زلت بحمد الله أتمتع بالصحة والعافية، وأعاهد الله والرسول على مواصلة الكفاح إلى النهاية حتى تصل الأمة إلى ما تصبو إليه، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا”.

وكان أبو درة ورجاله وراء مئات العمليات الفدائية المتعددة، وكان رأسه مطلوبا لقوات الاحتلال البريطاني، التي جندت العملاء لرصد تحركاته وأرسلت له (المستعربين) لقتله، واستخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي للإشارة لوحداتها الخاصة التي تتوغل في المدن الفلسطينية وتلاحق المناضلين ورجالها متنكرين بملابس عربية. في واقعة وصفها الأستاذ أكرم زعيتر، في يومياته، بالطريفة ومنها عرفنا عن (المستعربين) الإنجليز، يقول زعيتر نقلا عن تقرير رفعه أبو درة أنه في يوم 22/12/1938م كان “القائد الشيخ يوسف سعيد أبو درة وفريق من رجاله في قرية السيلة الحارثية وعددهم 16، إذا بالحرس يشاهدون عددا من الرجال آتين من جهة الطريق العام نحو القرية لابسين العباءات والعقل أي لباس الثوار. ولما اقتربوا صاح بهم أحد المجاهدين “كلمة السر؟” فأجابوه “رهمان” وكانت “رحمان” كلمة السر فأدرك المجاهد هويتهم! وكان اشتباك في معركة توالت في أثنائها النجدات للجنود من جهات أم الفحم ورمانة واليامون، وأسفرت المعركة عن عدة قتلى من الجنود واستشهاد مجاهد. ثم انسحب المجاهدون من القرية، وفي الصباح فتش الجند قرية السيلة بأسلوبهم الوحشي وفرضوا عليها غرامة مالية”.

 قرار المقاومة بلبس الكوفية والعقال:

في عمليات المقاومة الفلسطينية والعمليات البطولية الفدائية الجريئة التي كان ينفذها المقاومون الفلسطينيون وكثيرا منهم ينتمون إلى أصول ريفيه أو في الريف قرويون محاربون شجعان ، كان زيهم الشعبي الفلسطيني في لباس الرأس ، الكوفية والعقال ، ولما يتم تنفيذ إي عملية قتاليه في مناطق الانكليز والصهاينة ينسحب الثائر القروي الفلسطيني ويختفي وهو يلبس الكوفية والعقال ، فيأتي وعلى الفور جلاوزة الانكليز وجندهم ومخابراتهم وترى من يلبس هذا الزى الشعبي القروي من بين الناس فتقوم باعتقالهم والتحقيق معهم وتعذيبهم بسبب زيهم القروي المميز .. على أساس أنهم من الثوار وأنهم من قاد عمليات جهادية . ! ؟ تذمر رجال المقاومة من هذه الثغرة في صفوفهم التي عرفها الانكليز ذهبوا إلى قائد الثورة الفلسطينية في بعض مراحلها يوسف سعيد أبو دره وشكوا له من هذا الأمر حتى يتصرف ويجعل لهم حلاً مناسباً سريعاً ، ولم يجد بد ولا مناص في الحالة المحرجة هذه من أن يصدر أمره الصارم العام بتعميم وجود ولبس هذا الزى على كل من يقيم أو يزور أو يسير في ارض فلسطين العربية من شمالها إلى جنوبها اجل لقد أمر القائد يوسف أبو دره بوجوب لبس الكوفية والعقال من قبل كل الناس والمجتمع ، فتم إصدار الأمر بتاريخ 27 / 8 / 1938 م بإلزام الجميع بلبس هذا الزى وإلا لقي العقاب الصارم من يجدوه يخالف هذا الأمر وهذا الزى. استجاب أبناء فلسطين فلبسوا الكوفية والعقال على رؤوسهم ، وحتى أبناء العاصمة القدس ومدن فلسطين وكل القرى والأرياف ، كلهم استجابوا لهذا الأمر بوجوب لبس هذا الزى لتفويت الفرصة على الجيش البريطاني والقيام بعمليات قتالية دون أن يعرف الانكليز من الفاعل وحتى بعض الأجانب والصحفيين الأجانب وبعض البريطانيين والسواح وبعض السياسيين الصهاينة .. لبسوه أما خوفاً وأما افتخاراً وأما تزلفاً.

بعد انتهاء الثورة انسحب أبو درة إلى دمشق وعاد إلى الأردن، فاعتقله الأردنيون وكان ذلك يوم 25/7/1939م وحسب بلاغ الحكومة الأردنية آنذاك “إن دورية من الجيش العربي كانت تحرس الأنابيب بسبب عطل طرا عليها منذ أسبوع، فقبضت على ثلاثة أشخاص اشتبه بهم، وقد تبين من التحقيق معهم أن أحدهم، يوسف أبو درة، من فلسطين والحكومة تتدبر أمر إقامتهم إقامة جبرية في الكرك”.

 وسلمه قائد الجيش غلوب باشا، للمحتلين البريطانيين، المسؤولين عن كثير من شرور هذا العالم، حسب تعبير الدكتور زياد منى، وأعدموا أبا درة في القدس يوم 30/9/1939.

 تأملات شعرية:

وفي أثناء تنقيب الشاعر الراحل توفيق زياد في آثار شاعر تلك الثورة نوح إبراهيم عثر على موال عن أبو درة نشره في مجلة الجديد الحيفاوية (العددان:11،12 لعام 1970). ويشير توفيق زياد إلى أن أبو درة هو احد القواد الشعبيين لتلك الثورة والذي “تطور من ثائر عادي إلى قائد فصيل، حتى أصبح اشد أولئك القواد سطوة في المنطقة الشمالية من البلاد”.

وينوه زياد، وأنا اتفق معه إلى أن أبو درة وغيره من قادة الميدان “كانوا في نهاية الأمر، خاضعين للقيادة السياسية الفاشلة لتلك الثورة” تقول كلمات الموال الذي كتبه نوح إبراهيم:

فلسطين لا تفزعي، نجمك في السما درة

حولك فوارس يوم المواقع درة

ما يهابوا الموت ولو ما بقي ذرة

ثوار حايزين النصر صيتهم بالدنيا لمع

يهاجموا الأعداء وسيوفهم تضوي لمع

إسلام ونصارى نجمهم بالسماء لمع

يا رب نصرك ما دام رئيسهم أبو درة”.

 المراجع:

  • أسامة العيسة              القدس المحتلة ـ مؤسسة فلسطين للثقافة.
  • مركز المعلومات الفلسطيني – وفا
  • كمال نصار – 2014 مخيم غزة
  • د. محمد عبد القادر أبو فارس – شهداء فلسطين
  • ويكيبيديا

Standard
ثوار 1936

عارف عبد الرازق (أبو فيصل)

عارف عبد الرازق (أبو فيصل)

 ولادته و نشأته:

هو واحد من قادة الثورة الفلسطينية الكبرى (ثورة 1936 – 1939) ودعاتها، ومشارك في كل الثورات السابقة منذ 1921. ولد سنة 1894 في قرية طيبة بني صعب قضاء طولكرم وينتمي الى حمولة عبد القادر من المقدادية، تلقى تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه، وتعليمه الثانوي في مدينة طولكرم. في مطلع شبابه، شارك في هبة الشيخ شاكر أبو كشك ضد المستعمرات اليهودية في منطقة الساحل.  وقد ورد في تقرير للوكالة اليهودية أنّه في 3 أيار/مايو 1921 م، اشترك عارف عبد الرازق في الهجوم على بتاح تكفا ووقف على رأس خمسين رجلاً، وكان يلبس لباس الكشافة مسلحًا ببندقية ومسدس ومنظار. شارك في هذا الهجوم أيضًا الآلاف من الشبان والرجال العرب الذين جاءوا من قلقيلية والطيرة والطيبة وطولكرم وغيرها، وكان منهم الشيخ نجيب عبد المنان من الطيرة الذي سقط عن جواده وأصيب بسكتةٍ قلبيةٍ ومات إثرها. وقد فشل الهجوم العربي جرّاء تدخل الجيش البريطاني، الذي كان أغلب جنوده من الهنود، وألقى الإنجليز القبض على الشيخ شاكر أبو كشك، وحاكموه لاحقًا، وحكموا عليه بالسجن وبدفع غرامة باهظة، وقد سقط في هذه الهبّة من الجانب العربي قرابة الثلاثين شهيدًا.

في سنة 1933انضم عارف عبد الرازق إلى منظمة «مؤتمر الشباب » بزعامة يعقوب الغصين، وكان رئيسًا لفرع هذه المنظمة في منطقة الطيبة. اعتُقل عدة مرات قبل نشوب الثورة جرّاء نشاطه السياسي في صفوف أنصار المفتي، الحاج أمين الحسيني، ثم تفرغ للعمل في الحقل الاجتماعي. عند نشوب الثورة في شهر أيار/مايو 1936 م، شَكَّلَ عارف عبد الرازق فصيلاً من المجاهدين، وراح يهاجم الجيش والمستعمرات اليهودية وينسف الجسور والقطارات، ثم شارك مع فصيله في معركة نور شمس التي وقعت في 21 حزيران/يونيو 1936 م؛ وشارك في معركة بلعا الأولى التي وقعت في 10 آب/أغسطس 1936 م.

تولى قيادة الثورة في المنطقة الوسطى من فلسطين، فاستبسل في القتال ضد العدوين: البريطاني والصهيوني، وكانت بإمرته عدة فصائل من المجاهدين من قرى الطيبة، والطيرة، وقلنسوة، وكفر عابود، وكفر صور، وخربة عزون. وبرئاسة حمد زواتا وفارس العزوني ومحمد عمر النوباني وآخرين. كما أن منطقته هي التي كانت تمد، بالسلاح والمجاهدين، منطقة الساحل بقيادة حسن سلامة، ومنطقة القدس بقيادة عبد القادر الحسيني.

قاد عارف عبد الرازق حملات كثيرة على المستعمرات الصهيونية وعلى محطة رأس العين وهاجم مراكز الشرطة وقوات الانتداب واشتبك معها في معارك عتيقة، وقد رصدت حكومة الانتداب مكافأة لمن يلقي القبض عليه. وفي 20 تشرين الأول/أكتوبر 1937 نشرت جريدة فلسطين خبراً من الطيبة أرسله مراسلها الخاص، يفيد بوصول بعض جباة المال من موظفي الحكومة بطولكرم إلى القرية ومعهم نفر من البوليس، وأنّهم أخذوا يطوفون على السكان لجمع 150 جنيهًا، وهي مبلغ الغرامة التي فرضتها السلطة على البلدة بسبب عدم قيامها بتسليم السيد عارف عبد الرازق ورفاقه، ويقول المراسل بأنّهم لقوا صعوبة كبيرة في جمعها لسوء الحالة الاقتصادية، فأنذروا كل من يتخلف عن الدفع بحجز أملاكه.

 وقد أوردت صحيفة فلسطين في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1937 م خبراً مفاده أن قوة من الجند في السيارات العسكريّة ذهبت في الصباح الباكر إلى قرية الطيبة، ومعها المستر فوت حاكم لواء نابلس، وهناك طوقت هذه القوة القرية وشرعت في تفتيش البيوت تفتيشًا دقيقًا.

وفي 2/ 11 / 1937 م، نشرت صحيفة فلسطين خبرًا جاء فيه: «زادت قيادة الشرطة عدد أفراد الشرطة الإضافية في الطيبة من 15 شرطيًا إلى 25 شرطيًا، وفرضت على السكان دفع معاشاتهم ومقدارها ثمانية جنيهات للشرطي وعشرة جنيهات للعريف الذي يرأسهم، وفرضت أيضًا على القرية دفع مبلغ 250 جنيهًا ثمن 25 بندقية للشرطة، ودفع أجرة البيت الذي احتلته الشرطة وهو بيت علي القاسم. 

من الثابت تاريخيًا أنه فُرِضَت على الطيبة غرامة أكثر من مرة بسبب عارف عبد الرازق ونشاطه المسلح، فقد نشرت صحيفة فلسطين بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1937 م خبراً مفاده أن الحكومة قررت، بعد أن هاجم

عارف قوة من البوليس الإضافي في الطيبة، اتخاذ التدابير التالية:

  • نسف دار عارف عبد الرازق
  • فرض غرامة جماعية كبيرة على القرية
  • وتعزيز الشرطة الإضافية بزيادة عددها.

وفعلاً، نُسِفَت دار عارف في 24 كانون الأول/ديسمبر 1937م، وفُرِضَت على الطيبة غرامة مقدارها 1500 جنيه، فرفض السكان دفعها، وسلَّموا المخاتير مفاتيح بيوتهم وتركوا البلدة عشرة أيام، وعندها اضطرت السلطات إلى إلغاء هذه الغرامة. أهلته شخصيته لتولي مهمة إصدار الأوامر، باسم الثورة الفلسطينية، بإعدام الأشخاص الذين تثبت خياناتهم للثورة، وكان يوقع بياناته وأوامر باسم “المتوكل على الله – عارف عبد الرازق”، و يمهرها بختم “القيادة العامة لجيش الثورة في سورية الجنوبية”. وهو أيضاً من قادة الثورة الذين وقعوا على بيان، أكدوا فيه، إن الثورة ستضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إلقاء الرعب والقلق في نفوس الناس، أو سلبهم أموالهم، أو محاولة الانتقام والكيد الشخصي للإيقاع بهم.

في سنة 1938 م، أصبح عارف عبد الرازق قائدًا لعدد كبير من الفصائل الثورية المسلّحة، إذ امتد نشاطه ليشمل ناحية بني صعب والسهل الساحلي وقسم من ناحية الشعراوية وقضاء يافا واللد والرملة، ووصلت الفصائل التي كانت تنشط تحت إمرته مشارف القدس جنوبًا. وكانت العلاقة خلال هذه المرحلة من الثورة بين القائدين عارف عبد الرازق وعبد الرحيم الحاج محمد مبنيّة على التنافس، إذ تمركز عارف في منطقة بني صعب، بينما تمركز عبد الرحيم في منطقة وادي الشعير، ففي تقرير لجاسوس عربي مُؤرّخ في 21 آذار/مارس 1938 م كتبه لصالح استخبارات الوكالة اليهودية، ومحفوظ في الأرشيف الصهيوني المركزي، ورد قوله: «إن العلاقات بين عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق ليست جيدة. أما السبب في ذلك فيعود إلى الكراهية القديمة القائمة بين منطقة الشعراوية وادي الشعير ومنطقة بني صعب التي منها عارف، وحسب ذلك فقد قسَّموا مناطق النفوذ، فليس يدخل هؤلاء إلى منطقة هؤلاء، خوفًا من الوشايات والتسليم، ويحافظ كل طرف على البقاء في منطقته، وقد حاول رجال طولكرم التوسط بين الاثنين ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. وفي تقرير آخر مُؤرّخ في 23 تمّوز/يوليو 1938 ورد فيه أنّ وضع القائد عبد الرحيم الحاج محمد قوي وثابت، وأنَّ عارف عبدالرازق يُجهد نفسه في المقابل لكي «يحصل على تخويل من خارج البلاد بأن يكون القائد العام للثورة. ويقول كاتب التقرير إنّ «رجال البلاد لا يميلون إلى تحقيق رغبته هذه.

في 13-14 أيلول 1938 كان عارف من الذين حضروا مؤتمر دير غسانة الكبير لقادة الثورة، ، مع عبد الرحيم الحاج محمد وحسن سلامة ومحمد صالح الحمد وغيرهم، وقد التحق به فريد يعيش، إثر تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت، مستشاراً له وأوكل إليه أمانة سر القيادة. وذلك لرأْب الصدع بين قادة الفصائل الكبار، ولتجميع الصفوف، وللبت في مسألة القائد العام، يقول د. نمر سرحان ود. مصطفى كبها في كتابهما «عبد الرحيم الحاج محمد » استنادًا إلى تقرير كتبه يهودي حضر الاجتماع متنكرًا بصفة ثائر: «يتّضح بأنه في اجتماع كبار القادة الذي عقد في بيت عمر الصالح البرغوثي، تم تثبيت التعيين الذي حصل عليه عبد الرحيم الحاج محمد كقائد عام للثورة في فلسطين في مطلع عام 1938 م أثناء وجوده في دمشق، على أن يكون هناك مجلس قيادي يتولى رئاسته أحد أعضائه بشكل دوري. و قد شَكَّلَ قادة الفصائل المذكورين أعضاءَ هذا المجلس، وانضم إليهم فيما بعد القائد عبد الفتاح محمد مسئولاً عن الجباية والتموين. لم ينجح اجتماع دير غسّانة في تحقيق أهدافه فقد هاجمت القوات البريطانية المجتمعين، فانفضّ الاجتماع دون إصدار بيان رسمي، فعاد الوضع بعد الاجتماع إلى ما كان عليه من قبل، بحيث تمترس كل قائد في منطقة نفوذه، ولم يجرِ توحيد للفصائل المجاهدة تحت قيادة موحّدة، ولم ينشأ بين القادة تعاون أو تنسيق.

وفي 19/11/1938 نشر، باسم ديوان الثورة في سورية الجنوبية، تعليقات إلى رؤساء الفصائل يحظر فيها على أي رئيس فصيل أو مجاهد أن يقبل النظر في الدعاوى أو الخلافات، قائلاً: إن “واجبكم هو عسكري فقط، وهو جهاد في سبيل الله ورسوله وفي سبيل القضية الوطنية”، وحظر فرض الغرامات، وأنذر من يخرج على هذا. وكان أحد الموقعين على بيان قادة الثورة في 3/12/1938 رداً على بيان وزير المستعمرات البريطاني حول سياسة الحكومة البريطانية في البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد، وجاء فيه بعد سوق الحجج والبراهين على سوء نية بريطانية:

لهذا كله لا يرى ديوان الثورة العربية في أقوال الحكومة البريطانية وتصاريح وزيرها بارقة تدل على حسن نيتها في تحقيق مطالب العرب وميثاقهم القومي. هذا وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة، ومستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة”.

كان القائد عارف عبد الرازق يُلقِّبُ نفسه بالمتوكل على الله ويُوقِّع بياناته باسم القائد العام لجيش الثورة في سورية الجنوبية، أي فلسطين، والقائد العام للثورة العربية الكبرى في سورية الجنوبية. وهو القائد الوحيد الذي أصدر منشورات باللغة الإنكليزية، كان أحدها مُوجّهًا إلى الجنود البريطانيين في فلسطين، وأصدر منشورًا آخر باللغة العبرية مُوجّهًا إلى اليهود داخل فلسطين وخارجها، وقد نشرته صحيفة كول هعام في نشرتها . وكانت هذه المناشير تُطبعُ على الآلة الكاتبة، وقد لاقت رواجًا وانتشرت انتشارًا كبيرًا. ودأب عارف عبد الرازق على نشر تعاليمه إلى قادة الفصائل والمجاهدين بواسطة مناشير مطبوعة.  نَفَّذَ عارف وفصائله عمليات جريئة وكثيرة ضد الجيش الإنكليزي والبوليس وأعوانهما ذكرها جميعها ابنه فيصل في كتابه «أمجاد ثورية فلسطينية ». في الحقيقة فقد كان عارف شخصية مركزية في الثورة، وهو يستحق دراسة خاصة، فالأبحاث التي تطرقت إلى سيرته شوّهت صورته وألصقت به شتّى التّهم، منها أنه كان من أصحاب السوابق والجنايات، وأنه استغلّ منصبه لجمع الأموال. وهذه التهم بلا شك ملفّقة، وخير دليل على ذلك ما كتبه تسفي البيلغ في كتابه الثورة العربية الفلسطينية كان «أبو فيصل » بعيدًا عن التواضع الذي تحلّى به أبو كمال عبد الرحيم الحاج محمد، وأحبّ أن يتزيّن بألقاب رفيعة، وحتى بزيّ ضابط من الجيش البريطاني، ولكن من خلال ما يتضح من شهادات أبناء قريته، فقد كان ذا دوافع وطنية، فهو ابنٌ لعائلةٍ رفيعة النسب في منطقة بني صعب، جنوبي طولكرم. وكان أخوه الأكبر محمد أولَ من تلقّى ثقافة أكاديمية في الجامعة في بيروت من بين أبناء بلده، بينما كان هو نفسه وكذلك إخوته التسعة الآخرون قد تلقوا تعليمًا ثانويًا أو ثانويًا زراعيًا…. وقد رأى فيه أبناء بلده مناضلاً وطنيًا، وظلّ ركام منزله الواقع في مركز قريته، والذي هدمته السلطات البريطانية، في مكانه دون أن يُمسّ، وظلّ الناس لأعوام طويلة بعد أن خمدت الثورة يشيرون إليه باعتزاز. هذا ومن الجدير بالذكر أن تسفي البيلغ طلب من رئيس قسم التسجيل الجنائي القيام بفحص ماضي كل من: عارف عبد الرازق، عبد الرحيم الحاج محمد، وعبد القادر الحسيني، فأعلمه خطيًا بأنه بعد فحص الملفات تبين أنهم غير واردين في ملفات قسم التحقيق الجنائي، مما يُثبت على حدّ قول تسفي البيلغ بأن نواة الثورة قد تكونت من رجال كانت دوافعهم الوطنية لا يتطرق إليها الشك.

أمّا القبض على عارف فقد فشلت السلطة فيه، لأنّه كان عادةً ما يلبس ملابس امرأة محجبة فيتملص من الطوق. فقد توجه متسللاً إلى سورية وسلم نفسه للسلطات الفرنسية التي لم تعترف به لاجئاً سياسياً بل أبعدته إلى تدمر الصحراء السورية ثم لم تلبث تتفاوض مع البريطانيين لتسلمه إليهم وقد بلغته أخبار تلك المفاوضات واستطاع أن يهرب إلى العراق، الذي أنزلته حكومتها في ضيافتها، إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني فشارك فيها ولما هزم العراق ودخل البريطانيون بغداد فر إلى إيران ثم إلى تركيا ومنها وصل إلى ألمانيا حيث أقام فيها مدة، انتقل بعدها للاستقرار في صوفيا عاصمة بلغاريا حيث توفي فيها سنة 1944 غربياً مريضاً ودون أن يشعر أحد ولم يعلم أبناء وطنه بوفاته إلا بعد انتهاء الحرب. وقد أقام له أهل فلسطين مأتماً عظيماً في طولكرم شاركت فيه وفود من جميع أنحاء البلاد.

 المراجع:

–         أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية (1935 – 1939)، بيروت،

 1980 .

–         صالح مسعود بويصير: جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن،

                بيروت، 1970.

–         صبحي ياسين: الثورة العربية الكبرى في فلسطين، القاهرة،

 1970 .

–         محمد علي الطاهر: خمسون عاماً في القضايا العربية، بيروت،

                1974 .

–      عبدالرحيم الحاج محمد: د. نمر سرحان و د. مصطفى كبها

–       محمد عقل : عارف عبدالرازق  – القائد العام لجيش الثورة في

        سوريا الجنوبية ،  حوليات القدس | العدد السادس عشر | خريف-

شتاء 2013

Standard
ثوار 1936

ابراهيم الحاج نصار (أبو عادل)

 إبراهيم الحاج نصار (أبو عادل)

 نشأته:

ولد القائد المجاهد إبراهيم الشيخ محمد الحاج نصار في بلدة عنبتا الواقعة في منتصف وادي الشعير إلى الشرق من طولكرم سنة 1895م، تلقى تعليمه الأساسي في عنبتا والثانوي في الكلية الإسلامية ببيروت حتى تخرج منها في العام 1912، أرسله والده الشيخ محمد للدراسة في الأزهر الشريف في القاهرة (1912 – 1914), كان أحد ضباط الجيش العثماني 1914، فالثورة العربية الكبرى حيث التحق إبراهيم نصار في الثورة العربية الكبرى، ملبيا دعوة الشريف حسين بن علي لأحرار العرب بالثورة على الحكم العثماني في حزيران عام 1916 ويلاحظ من خلال الوثائق المتوفرة والموجودة أن هناك إشارات وتعليمات عسكرية وكان بموقع المسؤولية فيها 1916م.

 أعماله ونشاطاته:

بعد انتهاء أحداث الحرب العالمية الأولى عاد إلى بلده وخدم في دائرة المعارف في فلسطين في الفترة الممتدة من 16/9/1922ـ 9/9/1932م عمل معلما ومديراً لمدرسة حطين لواء الجليل ثم مدرسة الخالصة قضاء صفد ثم مدرسة عين ماهل قضاء الناصرة وبعد ذلك ترك إبراهيم الوظيفة في ظل الانتداب البريطاني إبان ثورة صفد سنة 1932م واستقال من التعليم بسبب سياسات دولة الاحتلال البريطاني تجاه التعليم وسيطرة دائرة المعارف على قطاع التعليم والتحكم بسياساته، وقد اضطر لبيع معظم أرضه التي ورثها عن والده غرب طولكرم داخل الخط الاخضر. انضم إبراهيم نصار لمؤتمر الشباب العربي وشارك في المظاهرات والمسيرات والأنشطة الشبابية، وكان له اهتمام بقطاع التعليم، وقد ألقى فيه ورقة عن أوضاع التعليم وقارنها باليهود. عرف إبراهيم نصار بنشاطه الثقافي ولم يقتصر على التعليم فقد اهتم بقراءة الصحف المتنوعة، وكذلك نشاطات الجمعيات الخيرية والنقابات العمالية. حيث وجهت له الدعوات من الصحف المحلية في فلسطين للمشاركة بالكتابة فيها ومن هذه الصحف جريدة الاتحاد. كذلك وجهت له الدعوات من جمعية العمال العرب. كذلك كان يكتب في جريدة الزمر والاقدام وغيرها من الصحف في فلسطين حيث أن له عددا من القصائد في جريدة الزمر المشهورة والتي تأسست عم 1921 من قبل الشيخ خليل زقوت والملقب خليل الصغير. كذلك لا يخلو جهده ونشاطه من العمل الدؤوب والمتواصل لفتح المدارس في بلدة عنبتا حيث وجه الرسائل لإدارة المعارف عام 1932م كما إن مواقفه وآرائه كان يعتز بها.

وقد انضم إبراهيم نصار لمؤتمر الشباب ويظهر أنه كان مسؤولا لمكتب اللجنة التنفيذية فيه، وقد قدم ورقة في أحد مؤتمراته شرح فيها أحوال التعليم وسوء إدارة المعارف البريطانية التي أهملت التعليم عن قصد وعدم اهتمام العرب الاهتمام الكافي بالتعليم ووصف حكومة بريطانيا بأنها تمارس التسويف والتخدير وقد كذب حكومة الانتداب التي تدعي أنها جاءت لتهذب الفلسطينيين وتعلمهم وقد استعرض في إحصاءات وقارن بين التعليم عند المستعمرين الصهاينة وأبناء البلاد وهو الذي يكذب ادعاء الإنجليز وحرصهم على التعليم واستعرض أوضاع التعليم من حيث عدد الطلبة ومناهج التعليم عند العرب واليهود والحصص المخصصة للدين الإسلامي وجميع مظاهر التمييز الواضح والفاضح ووصل إلى نتيجة أن الحكومة تقصد التجهيل ومسخ العلم واستشهد بمقولة سمبسون الذي بين أن المستعمرات بمساعدة بريطانيا والوكالة اليهودية كانت أوفر حظا وأن العرب يوجسون خيفة من التأخر الاجتماعي.

 الانضمام للثورة الفلسطينية:

التحق إبراهيم نصار بالثورة الفلسطينية وكان مؤيدا للمفتي محمد أمين الحسيني وقد سمى ابنه بهذا الاسم وكان واحدا من أعضاء اللجنة المالية للثورة والذين اعتمدهم المجاهد فوزي القاوقجي بعد وصوله إلى فلسطين وكان عددهم 7 أشخاص بما فيهم إبراهيم نصار وهذه اللجنة هي المؤهلة فقط بجمع الإعانات المالية أو من يتم تفويضهم خطيا، وهؤلاء هم : فخر الدين عبد الهادي وعبد الرحيم الحاج محمد وإبراهيم الحاج نصار، وعارف عبد الرازق وفرحان السعدي، وخالد القنواتي توفيق الصالح الحاج محمد، وهذ ما جاء في البيان الصادر عن الثورة العربية لسوريا الجنوبية والموقع من القائد العام للثورة فوزي القاوقجي وكان هذا البيان صادرا بتاريخ 4/9/1936م بعد معركة بلعا الثانية مباشرة والتي حدثت في 2/9/1936م والتي كان الثوار قد ألحقوا بالإنجليز خسائر فادحة ويتضح أن البيان جاء من قادة الثورة الفعليين عام 36 والذين أعطوا القيادة للقائد فوزي القاوقجي.

 معركة نور شمس:

وكان من جليل أعماله وفعاله دوره القيادي في معركة نور شمس في 21/06/1936. حيث نظمها السيد إبراهيم نصار أفضل تنظيم وكان قائدها، وقد اعترض سير قوافل الجيش البريطاني حينما أتى الجيش من حيفا متحمساً، فكانت معركة عظيمة بدأت في النهار وامتدت إلى الليل ودامت نحو تسع ساعات وقد امتدت نحو عشر كيلومترات شرقاً، وقد اشتركت فيها الطائرات البريطانية التي أسقطت إحداها وقد خسر فيها الجيش البريطاني عدداً كبيراً من الجنود ولم يستشهد فيها إلا اثنين من المجاهدين وجرح منهم بضعة أشخاص، فكان لهذه المعركة أثر في نظر الجيش والحكومة البريطانية. ولاحقته طائرة إنجليزية واتجه صوب كفر اللد ولاذ باتجاه جدار عالي ونزل عن فرسه وراحت الطائرة تحوم في نفس المكان دون نتيجة . وفيها حذرته امرأة من الاقتراب من البيت ورفعت صوتها خوفا من هدم الدار من قبل المحتل البريطاني، فخرج لها شخص آخر، وقال هذا أبو عادل إبراهيم نصار قالت “شو بدها تجبلنا الثورة” وأسكتها الرجل. وقد تعرض ذات مرة للحصار في كفر رمان القريبة من بلدة عنبتا وكانت معه مجموعة من الثوار واستعان فيها بامرأة تدعى سعيدة وكانت بمثابة الأخت لإبراهيم نصار وعندما شعر بالطوق والحصار سلمها السلاح والذخيرة والفرس وقال لها: دبريهن. قام الإنجليز بجمع الناس، وحفر الإنجليز للبيت الذي توجد فيه هذه المرأة وكانت فرسه مربوطة ولكنها نّزلت الخرج وما عليها من رشمات. قال الإنجليز هذه فرس القائد ردت المرأة هذه لنا. قام الإنجليز بحلها من رباطها ومشت الفرس تتبختر ولكزها، وهي تنكر أنها فرس القائد وفي المكان الذي جمعوا فيه أحضروا طفلا ووضعوه إمام القائد وكان البوليس العربي يشير لإبراهيم نصار أن ينزل الحطة الكوفية عن عينيه، وقام البوليس واتكأ على رأسه ونزل العقال والحطة على عينه وكانت مجازفة من البوليس العربي حتى لا يعرفوه.

 يقول المؤلف إحسان النمر في كتابه تاريخ جبال نابلس والبلقاء:

حدثني السيد المجاهد إبراهيم النصار قائد هذه المعركة فقال: “وردتني كمية من الفشك وبطاقة من سليمان بك طوقان يذكر فيها أن فرقة من الجنود الإنجليز البحارة ستمر آتية من حيفا إلى نابلس فرابطت لها، بدأت المعركة بعشرة أشخاص الساعة الواحدة بعد الظهر وتوالت علي النجدات وقد جعلت بين كل واحد وآخر عشرة أمتار وبعد إقامة السدود وصل الجيش فأطلقنا عليه نيران بنادقنا وهم يجيبون، وقد استمر امتداد السدود والمرابطين إلى مسافة عشرة كيلو مترات، وقد دامت المعركة تسع ساعات وقد بلغ عددنا المئات وتكبد الجيش البريطاني خسائر منها طائرة أسقطناها، ولم نخسر سوى شهيدين وبضعة جرحى”.

تولى إبراهيم نصار شراء السلاح من قرية طمون وغيرها لصالح الثورة، وكان يشتري السلاح من أبو جلدة حيث كانت صلة الوصل بينه وبين أبي جلدة ابن عم أبي جلدة كما روى ذلك. وفي رواية حضر عبد الرحيم محمود ليستطلع أحداث معركة حدثت في صيف عام 1936م (في بداية الثورة حيث أن الشهيد عبد الرحيم محمود لم يكن وقتها قد التحق بالثورة) التي قام بها الثوار بقيادة إبراهيم نصار أبي عادل، وكان يقترب من منطقة الخطر غير هياب وكان عبد الرحيم محمود ذو شجاعة وهو القائل الذي قال وصدق فيما قال:

سأحمل روحي على راحتي           وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق          وإما ممات يغيظ العدى

ولكن القائد ابن خاله طلب منه العودة والابتعاد عن منطقة الخطر حرصا عليه والجدير بالذكر أن الشهيد عبد الرحيم محمود تزوج من ابنة ابن خاله إبراهيم الحاج نصار، وكانت علاقة إبراهيم الحاج نصار بالشهيد عبد الرحيم محمود قوية من جهة القرابة ومن جهة الفكر الثوري والنضالي. التحق بفصيل إبراهيم نصار كل من عبد الرحيم حجازي (أبو حجاز) ومعه عبد الجبار أبو عليا، ويوسف الحاج نصار ومحمد إبراهيم أبو عسل والأخوين أحمد عبدالله قبج ومصطفى عبدالله قبج، ورشيد سعادة وحسين حجاز وأحمد الحاج عبد الرحمن وعطية السبوبة وغيرهم الكثير من أبناء عنبتا. كان إبراهيم أحد الثوار والقادة البارزين في الثورة الأولى والتي امتدت من بدايات 1936 حتى أواخر عام 1937، و أحد الثوار والقادة النشيطين في عنبتا ووادي الشعير. ولكنه في الثورة الثانية أي نهاية عام 1937 ترك الثورة بعد أن لاحظ أن شراعها بدأ ينحرف وكذلك كثرت فيها أعمال الاغتيال والقتل والتصفيات الجسدية وأصبحت الثورة أشبه بحرب أهلية.  وحين اختفى بسبب الثورة مصطفى جابر العموري والذي حضرت أمه لإبراهيم نصار، وقالت: إن شعوري أنهم سيقتلونه وسألها أين أخذوه؟ قالت لا أدري.

وبحث عنه إبراهيم نصار وسأل فخري عبد الهادي عنه فقال ليس عندي.

لم يصدقه إبراهيم، ورأى فخري في وجهه الاستنكار وعدم التصديق، فقال له تعال معي أراك غير مصدق لي، هذه الزنازين وهاي المعتقلين.

نزل إبراهيم في بيته ورأى أناسا مقيدين.

قال له: يا فخري من هذا الظلم تفشل الثورة.

قال : هؤلاء لهم ارتباطات باليهود والإنجليز وكيف نحمي أنفسنا إذا لم نسجنهم.

تركه إبراهيم ولم يعجبه هذا الحال. ورد عليه إن الثورة كثرت أخطائها، وأدرك إبراهيم بحسه أن الثورة التي اندفعت فيها الجماهير قد كثر فيها المنتحلين للثورة وممن حملوا السلاح لم يكونوا ثوارا حتى أن بعضهم راح يلعب بالثورة ويحملون سلاحا بريطانيا وعملهم جمع الإتاوات وفرض المال على الناس وهكذا ترك إبراهيم الثورة وبعد أن تركها راح بعضهم يرسل له كتبا ومنهم بعض قادة الثورة يطالبونه بإعادة نشاطه فيها واحتلال موقعه، وتكرر إرسال الرسائل من نفس المصدر ولكنها هذه المرة حملت طابع التهديد والوعيد وكرر الثوار قدومهم لبيته وحضر إليه أربعة مسلحين إلى داره ويطلبون منه العودة لصفوف الثورة ولكنه رفض ورد عليهم قائلا :إنها ثورة يلعب بها الانجليز.

فقال أحدهم ردا عليه : ولكن أليس فيها أناس نظيفون

رد عليهم : النظيف مغفل، وباتوا ليلتهم عنده.

ولكن زوجة عمه يوسف الحاج نصار خشيت وأصابتها الريبة منهم.

قالت له خذ بالك منهم، لقد حضروا لأمر خطير.

قال لا تهتمي ، وحذرته من النوم معهم.

سألوه أين ستنام ؟

قال : سأنام في العلية ولا أنام خارجها.

وشعروا أن لا مجال للغدر به ونزلوا من باب غربي وحدثوا بعضهم البعض وقالوا هذه المرأة نبهته.

 بعد نكبة فلسطين 1948:

مارس إبراهيم حياته العادية حتى حلت نكبة فلسطين 1948 وعندها أسرع بحمل بندقيته بعد أن وردت شائعة ودعاية أن اليهود يستهدفون عنبتا ولكنه لم يستمر في التطوع أو المشاركة في حرب 1948. حاول الالتحاق بمديرية التربية والتعليم بعد وحدة الضفتين (المملكة الأردنية الهاشمية)، ولكن النظام الأردني حرمه الوظيفة في وزارة التربية والتعليم بسبب تاريخه حيث أن أبو عادل (إبراهيم نصار) ذهب الى مصطفى الدباغ سنة 1955 وكان وكيل لوزارة المعارف وطلب معرفة السبب فأجابه أن الوزارة لا يمكن أن تعين شخصا اشترك في ثورة الشريف حسين وانسحب منها وكذلك لا يمكن تعيين من اشترك في ثورة 1936م حيث أنه كان معلما ومديرا لعدة مدارس إلى سنه 1932م وترك الوظيفة تمردا وعصيانا. بعد ثورة يوليو المصرية عام1952 أرسل إبراهيم نصار للرئيس الراحل جمال عبد الناصر رسالة حب ووفاء وتهنئة بالثورة المصرية وفيها من الشعر الذي غرد به حافظ إبراهيم:

لمصر أم لربوع الشام تنتسب               لنا العلا وهناك المجد والحسب

وقد رد عليه الرئيس جمال عبد الناصر برسالة فيها شكر وتقدير للشعب الفلسطيني وظل إبراهيم نصار يفخر برده ويحتفظ بها وعلق صورته في صدر عليته. ولكن الجيش الأردني عندما حضر لبيته بعد قيام الوحدة المصرية – السورية عام 1958 وعلى إثر سوء العلاقات بين البلدين قام بأخذ صورة عبد الناصر وصادر هذه الأوراق واختفى بعضها. عمل إبراهيم في الزراعة وفي خدمة قضايا مجتمعه كالصلح والإصلاح وكتابة الحجج والعرائض للمحاكم الشرعية، وقد خلف ابنته محفوظة التي تزوجها الشاعر الشهيد المرحوم عبد الرحيم محمود.

وأرسل ابنه محمد أمين ليتلقى علومه في جامعة دمشق ودرس الفلسفة فيها. ترك إبراهيم ذكرا طيبا وسيرة حسنة وعرف كرجل خير وإصلاح في بلده، وانتقلت روحه إلى بارئها في 18/01/1985م عن عمر يناهز 90 سنة.

_______________

الجدير ذكره إلى أن هناك ثوار آخرين بهذا الاسم التحقوا بالثورة وهم من قرية عنبتا ومدينة قلقيلية.

 

 

 

 

المراجع:

  • عبدالعزيز أمين عرار/مشرف تاريخ وباحث فلسطيني
  • ويكيبيديا العربية
  • منتديات ستار تايمز – أسماء في الذاكرة
  • إحسان النمر ، تاريخ جبال نابلس والبلقاء
Standard
ثوار 1936

شهداء ثورة البراق

                                      الشهداء

                                        فؤاد حسن حجازي   عطا أحمد الزير    محمد خليل جمجوم

فؤاد حسن حجازي:  

 ولد فؤاد حسن حجازي في مدينة صفد- شمال فلسطين عام 1904. تلقى دراسته الابتدائية في مدينة صفد ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية واتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت.

شارك فؤاد حسن حجازي مشاركة فعالة في مدينته في ثورة البراق التي عمت أنحاء فلسطين عقب أحداث البراق سنة 1929 وقتل وجرح فيها مئات الأشخاص وقد اقرت حكومة الانتداب حكم الإعدام على كل من:

فؤاد حسن حجازي ، محمد خليل جمجوم ، عطا احمد الزير

كان فؤاد حسن حجازي الأول من بين المحكومين الثلاثة الذين اعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في يوم 17-6-1930، بسجن القلعة بمدينة عكا، وأصغرهم سنًا.

وقد سمح له أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام فكتب وصيته وبعث بها إلى صحيفة اليرموك فنشرتها يوم 18-06-1930 بخط يده وتوقيعه وقد قال في ختامها:

“إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب اقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، ان هذا اليوم يجب أن يكون يوما تاريخيًا تلقى فيها الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية.”

محمد خليل جمجوم:

ولد محمد خليل جمجوم بمدينة الخليل عام 1902 م وتلقى دراسته الابتدائية فيها. أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت وشارك في الأحداث الدامية التي تلت ثورة البراق ضد مواطنين يهود في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين.

عرف محمد خليل جمجوم بمعارضته للصهيونية وللانتداب البريطاني. جعلت مشاركته في المقاومة ضد الصهيونية أن تقدم القوات البريطانية على اعتقاله في 1929 م مع 25 من العرب الفلسطينيين وقد حوكموا جميعاً بالإعدام، ألا ان الأحكام تم تخفيفها إلى مؤبد، الا عن هؤلاء الثلاثة.

وفي يوم الثلاثاء 17 يونيو 1930 تقرر إعدام الثلاثة، وكان تطبيق حكم الإعدام شنقاً في محمد خليل جموم الساعة التاسعة صباحاً في سجن القلعة بعكا.

عطا أحمد الزير:   

ولد عطا احمد الزير في مدينة الخليل- فلسطين عام 1895م

عمل عطا في عدة مهن يدوية واشتغل في الزراعة وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسمانية.

كانت له مشاركة فعالة في مدينته في ما يسمى ثورة البراق سنة 1929 وشارك في مذبحة 67 يهوديا ، فأقرت حكومة الانتداب حكم الإعدام عليه مع كل من: فؤاد حسن حجازي ومحمد خليل جمجوم.

وتم إعدامه في يوم 17-6-1930 في سجن القلعة بمدينة عكا على الرغم من الاستنكارات و الاحتجاجات العربية. كان الزير أكبر المحكومين الثلاثة سنا.

و قد سمح له أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام وقد جاء في رسالته:

كتب عطا الزير هذه الرسالة لوالدته (الرسالة باللهجة الفلاحية) :

زغردي يما لو خبر موتي أجاك زغردي لا تحزني يوم انشنق شو ما العدو يعمل روحي أنا يما عن هالوطن ما بتفترق بكره بعود البطل ويضل في حداكِ حامل معو روحه ليقاتل عداكِ لا تزعلي لو تندهي وينو عطا كل الشباب تردْ فتيان مثل الورد كلهم حماس وجدْ لما بنادي الوطن بيجو ومالهم عدْ وفري دموع الحزن يما لا تلبسي الأسود يوم العدا بأرض الوطن يوم أسود هدي شباب الوطن بتثور كلهم عطا كلهم فؤاد ومحمد والشمس لما تهل لازم يزول الليل يا معود فوق القبر يما ازرعي الزيتون حتى العنب يما والتين والليمون طعمي شباب الحي لا تحرمي الجوعان هدي وصية شاب جرب الحرمان اسمي عطا وأهل العطا كثار والجود لأرض الوطن واجب على الثوار جبال الوطن بتئن ولرجالها بتحن حتى كروم العنب مشتاقة للثوار سلمي على الجيران سلمي على الحارةْ حمدان وعبد الحي وبنت العبد سارةْ راجع أنا يما وحامل بشارَةْ عمر الوطن يما ما بينسى ثوارَهْ لما بطول الليل وبتزيد أسرارُه وجرح الوطن بمتد وبتفيض أنهارُه راجع بطلة فجر حامل معي انوارُه حتى نضوي الوطن ويعودوا أحرارُه”.

وقد قدم الشاعر الشعبي نوح إبراهيم مع الفرقة الشعبية فرقة العاشقين مرثية للمحكومين الثلاثة ما زالت مشهورة لدى الفلسطينيين.

من سجن عكا وطلعت جنازه        محمد جمجوم وفؤاد حجازي

وجازي عليهم يا شعبي جازي     المندوب السامي وربعو عموما

محمد جمجوم ومع عطا الزير       فؤاد حجازي عز الذخيره

انظر المقدر والتقادير                  بأحكام الظالم تا يعدمونا

ويقول محمد انا اولكم                 خوفي يا عطا اشرب حسرتكم

ويقول حجازي انا اولكم              ما نهاب الردا ولا المنونا

امي الحنونه بالصوت تنادي          ضاقت عليها كل البلاد

نادو فؤادي مهجه فؤادي             قبل نتفرق تا يودعونا

تنده ع عطا من ورا الباب             وامي بستنظر منو الجواب

عطا يا عطا زين الشباب             يهجم علي العسكر ولا يهابونا

خيي يا يوسف وصاتك امي          اوعي يا اختي بعدي تنهمي

لاجل هالوطن ضحيت بدمي           وكلو لعيونك يا فلسطينا

ثلاثه ماتو موت الاسودي             وجودي يا امي بالعطا جودي

علشان هالوطن بالروح نجودي       ولاجل حريتو بيعلقونا

نادي المنادي يا ناس إضراب               يوم الثلاثا شنق الشباب

اهل الشجاعه عطا وفؤادي                ما يهابو الردا ولا المنونا

 

Standard
ثوار 1936

عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال)

المناضل عبد الرحيم الحاج محمد (أبو كمال)

(1892 – 1939)

 الولادة والنشأة:

ولد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد في  قرية ذنابة قضاء طولكرم ، عام 1892 لأسرة فلاحية من آل سيف الذين ينسبون أنفسهم أو ينسبهم بعض النسابين إلى (سيف بن ذي يزن)، ويقال أن أجداد آل سيف قدموا من اليمن ضمن نجدة لبت نداء القائد صلاح الدين الأيوبي، واختار المجاهدون اليمانيون –بعد معركتي حطين والقدس- سكنى (ذنابة) و(برقة) و(البروة).

في هذا البيت الكريم ولد (عبد الرحيم الحاج محمد)، وتلقى تعليمه الأولي في أحد كتاتيب القرية. و حين أصبح شابا طلبته السلطات العثمانية للجيش، وتم فرزه إلى الوحدات العثمانية المرابطة في طرابلس بلبنان، نقل بعدها إلى بيروت حيث تم إلحاقه بمدرسة عسكرية تخرج منها وفي جعبته الكثير من العلوم العسكرية. التي وظفها في المعارك التي خاضها العثمانيون في مواجهة القوات البريطانية.  و لما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 سرح عبد الرحيم من الجيش وعاد إلى مسقط رأسه، ليجد أن كل فلسطين باتت خاضعة للاحتلال البريطاني. فعمل في الزراعة والتجارة في مدينة طولكرم. وقد عرف بالنزاهة والاستقامة والخلق الرفيع والتهذيب والأمانة، لذا أحبه الناس، ولجأوا إليه في حل مشكلاتهم.

في ذلك الوقت كانت فلسطين تمر بمرحلة قاسية بسبب الاستعمار البريطاني والخطر الصهيوني، فأخذ عبد الرحيم الحاج محمد يدعو إلى الجهاد ضد أعداء الأمة العربية من مستعمرين بريطانيين ومستوطنين صهيونيين، موضحاً خططهم ومشروعاتهم وأهدافهم، متبعاً في ذلك خطى الشهيد عز الدين القسام. وقام سراً بجمع التبرعات وتنظيم المجاهدين وتدريبهم مستفيداً من خبرته العسكرية السابقة. وبعد إعلان الإضراب العام الكبير في شهر نيسان 1936 قاد مجموعة من الثوار قامت بعدة هجمات على البريطانيين والمستوطنين الصهيونيين، فلاحقته سلطات الانتداب، فاضطر إلى ترك بيته وأهله، والانتقال إلى العمل الثوري السري، وأخذ يصعد عمليات الثورة، ثم ظهر علناً في معركة نور شمس، وهي أول معركة منظمة وأكبرها خاضها الثوار الفلسطينيون مع قوات الاحتلال لبريطاني والمستوطنين الصهيونيين في 22/6/1936.

وتوالت الهجمات وأعمال المقاومة التي قادها عبد الرحيم الحاج محمد وحقق فيها نجاحاً كبيراً على قوات الاحتلال وخرب طرق مواصلاتها ودمر منشآتها العسكرية، وبذلك ازدادت شهرته، واتسعت دائرة نشاطه. وفي 25/8/1936 وصل فوزي القاوقجي إلى فلسطين لقيادة الثورة، وعلى رأسهم عبد الرحيم الحاج محمد. و بحث معهم أوضاع الثورة وكيفية تنظيم شؤونها، وأسندت إلى عبد الرحيم قيادة المنطقة الثانية، أهم مناطق الثورة، وتقع في المثلث وسط فلسطين.

تابع عبد الرحيم الحاج محمد جهاده في ظل القيادة العامة الجديدة التي ترأسها فوزي القاوقجي، وانتصر، في هذه الفترة أيضاً، في جميع المعارك التي خاضها، ومن أهمها: معركة نابلس (24/9/1936) ومعركة بلعا (25/9/1936) ومعارك جبع ودير شرف. فشددت سلطات الانتداب على ملاحقته، ورصدت جائزة مالية كبرى لمن يأتي به، وقامت بنسف بيته. ولما غادر القاوقجي فلسطين في أواخر تشرين الأول 1936، بعد نداء الملوك والرؤساء العرب في الثاني عشر من ذلك الشهر، أوكلت إلى عبد الرحيم الحاج محمد القيادة العامة للثورة خلفاً له. ثم توقفت أعمال الثورة، ولجأ عبد الرحيم إلى دمشق في تشرين الثاني، مستأنفاً نشاطه الوطني مع من قدم إليها من قادة الثورة واتخذ قرية قرنايل اللبنانية مكاناً لتجميع السلاح وإرساله إلى فلسطين. وكان لهذا النشاط أثره في استمرار أعمال المقاومة، إلى أن اندلعت الثورة من جديد في شهر تشرين الأول 1937. فعاد عبد الرحيم الحاج محمد من دمشق إلى فلسطين على رأس عدد من المجاهدين، واتخذ من قرية النزلة الشرقية، قضاء طولكرم مقراً موقتاً لقيادة الثورة. وفي أوائل سنة 1938 اكتملت تنظيمات الثورة من جديد، ونظمت الفصائل وقيادات المناطق والقيادة العامة، وتولى عبد الرحيم الحاج محمد، إضافة إلى القيادة العامة، قيادة منطقة المثلث، يساعده عدد من القادة الثوار، منهم يوسف سعيد أبو درة ومحمد الصالح (أبو خالد) وعارف عبد الرازق، كما اتخذ له عدداً من المستشارين المثقفين الشبان، منهم الشاعر عبد الرحيم محمود وممدوح السخن، سكرتيره الخاص، وأحمد جميل.

خلال هذه الفترة خاض الثوار، بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد، معارك ضارية، وألحقوا بالقوات البريطانية خسائر كبيرة. ومنها معركة بيت أمرين التي جرح فيها القائد عبد الرحيم، ومعركة دير غسانة (20/9/1938) التي وقعت عندما كان قادة الثورة يعقدون مؤتمراً لتدارس أوضاع الثورة، وقد استشهد فيها القائد محمد الصالح (أبو خالد).

وفي مطلع سنة 1939 سافر عبد الرحيم الحاج محمد إلى دمشق ولقي المفتي محمد أمين الحسيني وبحث معه أوضاع الثورة وما تحتاج إليه من سلاح ومساعدات. وفي 26/3/1939 عاد إلى فلسطين، مع نفر من أصحابه، وتوقفوا في قرية صانور، قضاء جنين، ليمضوا ليلتهم. وقد علمت سلطات الانتداب بوجودهم هناك ولا شك من جواسيس لهم، فوجهت قوة عسكرية كبيرة هاجمتهم في صباح 27/3/1939. و خاض القائد عبد الرحيم مع هذه القوة معركة غير متكافئة استشهد فيها، كما استشهد بعض مرافقيه ومنهم رفيقه في الجهاد (سليمان أبو خليفة الحوراني) بعد معركة بطولية في مواجهة قوة عسكرية بريطانية كبيرة تساندها الطائرات، ضربت ثلاثة أطواق حول القرية طالبة من أبي كمال الاستسلام، لكنه رفض واشتبك معها في قتال استمر من السادسة صباحا حتى الرابعة مساء، استطاع القائد عبد الرحيم خلاله أن يخترق مع إخوانه المجاهدين الطوق الأول والثاني، ليشتبك مع الطوق الثالث بالسلاح الأبيض، لكن رصاصة أصابت القائد في بطنه قضت عليه، أما رفيقه (سليمان أبو خليفة الحوراني) فقد جرح وأسر لكنه ما لبث أن قضى نحبه متأثرا بجراحه –كما قيل، وإن كان المرجح أن الإنكليز أجهزوا عليه-. وعثر الجنود البريطانيين على مسدسين مع أبي كمال، وعلى ثلاثة مسدسات مع رفيقه. قامت سلطات الانتداب البريطاني بدفن جثمانه سراً في صانور، ولكن الثوار استرجعوا الجثمان، ونقلوه إلى ذنابه، مسقط رأسه، ودفنوه فيها.

كتب قائد القوة البريطانية التي داهمت صانور، جيوفري مورتسن، في مذكرات له عن القائد الشهيد أنه لم يكد خبر استشهاده يذاع في البلاد “حتى أقفلت الحوانيت حداداً على الرجل الذي كان يتمتع بأسمى درجات الاحترام” وأضاف: أنه لدى إذاعة النبأ جاء عدد من المسؤولين البريطانيين ليطلعوا على تفصيلات الحادث، ومن هؤلاء الجنرال هايننغ، القائد العام للقوات في فلسطين، واللورد غورت رئيس أركان حرب الامبراطورية قبل الحرب والذي أصبح مندوباً سامياً لفلسطين، والجنرال بيرنارد مونتغمري.

كان الشهيد يوقع بياناته ورسالته بصفة “المجاهد الصغير خادم دينه ووطنه”، ويصدرها عن “ديوان الثورة العربية الكبرى في فلسطين”. وهذا يدل على مدى تواضعه وإيمانه وتفانيه من أجل وطنه، ويظهر هذا بوضوح أيضاً في البيانات والقرارات ذات الطابع السياسي التي أصدرها أو التي شارك في التوقيع عليها، ومنها الرد على بيان الحكومة البريطانية اثر تقرير لجنة وود هيد في 3/1/1938. وقد صدر هذا الرد باسم الثورة، ووقعه خمسة من القادة الفلسطينيين كان عبد الرحيم أحدهم.

آمن عبد الرحيم الحاج محمد بالكفاح المسلح لتحرير الوطن ونيل الاستقلال، لذلك وقف ضد الذين اتصلوا بالحكومة البريطانية، وعند هجرة القادة الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة. كما آمن أن العمل الثوري الحقيقي يكمن في مقاتلة العدو على أرض الوطن وعدم تمكينه من غرس نفسه في هذه الأرض العربية الطاهرة. لذلك أصدر الانذارات واتخذ الإجراءات الرادعة ضد سماسرة العقارات، وضد الذين يبيعون أراضيهم للمستوطنين الصهيونيين. وألف “محكمة الثورة العربية لفلسطين” برئاسة المجاهد عبد القادر اليوسف عبد الهادي، وأوقف دفع ديون الفلاحين إلى دائنيهم بسبب اشتداد الازمة الاقتصادية آنذاك، واتخذ موقفاً حازماً ضد أولئك الذين تعاملوا مع العدو، ومع قتل الأسرى من الأعداء.

كان عبد الرحيم الحاج محمد قائداً فلسطينياً ثورياً، استطاع أن بقوة الثورة الفلسطينية بنجاح في فترة عصيبة من الزمن. وأن ينظم أوضاعها الداخلية وشؤونها الإدارية بحزم و حكمة. وباستشهاده فقدت الثورة إحدى دعاماتها الأساسية.

 في مدينة (وادي السير) إلى الغرب من عمان –عاصمة الأردن- من جهة الغرب، بين منطقة (تلاع العلي) و(صويلح) شمالا، و(بلدية الوادي الأخضر) جنوبا، و(منطقة زهران) شرقا، و(منطقة بدر الجديدة) غربا.. تم إطلاق اسم (الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد) على شارع كبير يربط بين أحياء المدينة الأردنية. ويتردد المئات من الأردنيين على مطاعم هذا الشارع التي تحمل أسماء غريبة مثل (برجر كنج) و(ماكدونالدز) و(لبنان سناك).. من دون أن يستوقفهم اسم القائد الكبير الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد. الذي دوخ الإنكليز إبان قيادته للثورة الفلسطينية بين عامي 1936-1939، ولو سألت أكثرهم لقلبوا شفاههم نفيا أو تعجبا..

المراجع:

http://www.palestinapedia.net/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-1892-1939/

–         أكرم زعيتر: الحركة الوطنية الفلسطينية (1935 – 1939)، بيروت 1980.

–         أكرم زعيتر: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية (1918 – 1939)،     بيروت 1979.

–         أحمد طربين: قضية فلسطين 1897 – 1948، دمشق 1968.

–         صبحي ياسين: الثورة العربية الكبرى في فلسطين   (1936 –   1939    ).

–         خيرية قاسمية  (إعداد): مذكرات فوزي القاوقجي، ج2، بيروت 1975.

–         مؤسسة فلسطين للثقافة

Standard
ثوار 1936

عبد القادر الحسيني

عبد القادر الحسيني

 عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد فلسطيني ولد في القدس في 1908 واستشهد في 8 أبريل 1948 في قرية القسطل القريبة من القدس بعد أن قاد معركة ضد العصابات الصهيونية لمدة ثمانية أيام.

كان الأب موسى أول من رفع صوته في وجه الانتداب البريطاني، وأول من دعا أهل فلسطين إلى الاحتجاج والتظاهر وإعلان السخط والغضب ضد وعد بلفور، فتولى قيادة أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين عام 1920م، وبسبب ذلك عزلته سلطات الانتداب البريطاني عن رئاسة بلدية القدس، فلم يكترث واستمر في نضاله الدؤوب، واشترك في الكثير من المظاهرات، كانت آخرها المظاهرة الكبيرة في يافا في 27/10/1933، حيث أصيب فيها بضربات هراوات قاسية من قبل الجنود الإنجليز ظل بعدها طريح الفراش أياماً، حتى فارق الحياة سنة 1934م.

التحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ودرس في قسم الكيمياء بها، وطيلة فترة دراسته لم يظاهر بنشاطه الوطني أملاً في الحصول على شهادة، وما إن تحقق مأربه حتى أعلن في حفل التخريج أن الجامعة لعنة بكل ما تبثه من أفكار وسموم في عقول الطالب، وطالب الحكومة المصرية أن تغلقها مما حدا بالجامعة الأمريكية في اليوم التالي بسحب شهادته، الأمر الذي أدى إلى تظاهرة عظيمة قام بها رابطة أعضاء الطلبة التي أسسها الحسيني وترأسها أيضاً وانتهى الأمر بقرار من حكومة إسماعيل صدقي بطرده من مصر فعاد أدراجه إلى القدس عام 1932 منتصراً لكرامته وحاملاً لشهادته التي أرادوا حرمانه منها.

على الرغم من المحاولات الحثيثة من جانب الإدارة البريطانية لضمه تحت جناحها من خلال توليته عدداً من المناصب الرفيعة إلا أن إيمانه بالجهاد المسلح من أجل الحرية والاستقلال كان أقوى من جميع إغراءاتهم وخططهم الدنيئة، وتأكد له صواب اعتقاده حينما رحل الشيخ السوري عز الدين القسام شهيداً مدافعاً عن حرية فلسطين فخطا على نفس دربه وراح منذ العام 1936 يعمل على تدريب شبان فلسطينيين لينظموا وحدات مسلحة تدافع عن حقها وأرضها إذا ما تعرضتا للهجوم من غزاة طغاة، وبالفعل في ذات العام قام عبد القادر الحسيني بإلقاء قنبلة على منزل سكرتير عام حكومة فلسطين تلتها قنبلة أخرى على المندوب السامي البريطاني، بالإضافة إلى اشتراكه مع أفراد الوحدات التنظيمية التي أسسها في مهاجمة القطارات الإنجليزية، وظلت هذه المناورات بصورة متفاوتة حتى عام 1939.

وفقا لموسوعة «رجالات من بلاد العرب، للدكتور صالح زهر الدين، (المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت، طبعة أولى 2001، ص (445ـ452)، وكذلك وفقا ل «قضية فلسطين في سيرة بطل/ الشهيد الحي عبد القادر الحسيني» لنبيل خالد الآغا (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، )1982، فقد كان الشهيد عبد القادر الحسيني أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة على الاستعمار البريطاني في 6 أيار 1936، حين هاجم ثكنة بريطانية (بيت سوريك) شمالي غربي القدس، ثم انتقل من هناك إلى منطقة القسطل، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان من فلسطين.

وبلغت الثورة الفلسطينية أوج قوتها في تموز عام 1936، حيث انضم إليها من بقي من رفاق الشهيد عز الدين القسام، وبلغت أنباؤها العالم العربي كله، فالتحق بها المجاهدون العرب أفواجاً، وخاض الثوار العرب معارك بطولية ضد المستعمرين البريطانيين والصهاينة، ولعل أهم هذه المعارك كانت (معركة الخضر) الشهيرة في قضاء بيت لحم، وقد استشهد في هذه المعركة المجاهد العربي السوري سعيد العاص وجرح عبد القادر جرحاً بليغاً، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس، بعد مغامرة رائعة قام بها المجاهدون من رفاقه فهاجموا القوة البريطانية التي تحرس المستشفى وأنقذوه وحملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه. عاد عبد القادر إلى فلسطين مع بداية عام 1938، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس، وقاد هجومات عديدة ناجحة ضد البريطانيين والصهاينة، ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الانتداب البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحيها. و في خريف عام 1938، جُرح عبد القادر ثانية في إحدى المعارك، فأسعفه رفاقه في المستشفى الإنجليزي في الخليل، ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان. ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي يحمل اسم محمد عبد اللطيف. وعلى أثر اغتيال فخري النشاشيبي في شارع الرشيد ببغداد، اتُهم عبد القادر بتدبير خطة الاغتيال هذه، فبقي موقوفاً في بغداد قرابة السنة بهذه التهمة .. ثم نقل إلى معتقل العمارة، وهناك أمضى ما يقرب من سنة أخرى، حيث أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943، بعد أن تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية. فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين بمرافقة أسرته. وفي مطلع عام 1944 تسلل عبد القادر من السعودية إلى ألمانيا، حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها، ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة وهناك وبسبب نشاطه السياسي وصلاته بعناصر من حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين، وتجميعه الأسلحة، وتدريبه الفلسطينيين والمصريين على صنع المتفجرات، أمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده.. لكن الضغوط التي مارستها القوى الإسلامية المصرية حالت دون تنفيذ ذلك الإبعاد. وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين عام 1947، تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً مع بعض رفاقه، وفي نفس الوقت اجتاز الحدود الفلسطينية عدد من المجاهدين القادمين من سورية ولبنان، والتقوا جميعاً بعبد القادر ، وأخذوا يرسمون خطة جديدة للبدء في المرحلة القادمة من الجهاد. فأعادوا تشكيل قوات الجهاد المقدس، واتخذت بلدة (بير زيت) مقراً رئيسياً لتلك القوات، وتألفت في حيفا والناصرة وجنين وغزة قوات أخرى تابعة لها. وكان عبد القادر الحسيني قد غادر القدس متوجها إلى دمشق نهاية آذار من عام ثمانية وأربعين ،وذلك بهدف الاجتماع بقيادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية ،والحصول على السلاح اللازم لتنفيذ القدس والمحافظة على التفوق الذي حققه المجاهدون في معاركها . ومع وصول أخبار معركة القسطل إلى المجاهد الحسيني غادر دمشق على وجه السرعة متوجها إلى القدس ،وبدل نيل متطلباته الكثيرة والمتنوعة التي قدمها إلى اللجنة العربية العسكرية عاد بنصف كيس من الرصاص فقط .ومن القدس توجه الحسيني- وفقا للباحث نافز حسنة – إلى القسطل بسرعة فوصلها ظهيرة السابع من نيسان، وعمد على الفور إلى إعادة تنظيم صفوف المجاهدين ،وعين على الميمنة في الجهة الشرقية ،المجاهد حافظ بركات ،وعلى الميسرة من الجهة الغربية، الشيخ هارون بن جازي ،وفي القلب فصيلتان بقيادة إبراهيم أبو دية ،وفي موقع القيادة كان الحسيني ،وعبد الله العمري ،وعلي الموسوس إضافة إلى فصيلي استناد في الجهة المقابلة ،وبدأ الهجوم وفق هذا الترتيب ،لتتمكن قوات القلب والمسيرة من اكتساح مواقع العدو واستحكاماته الأمامية ،ولكن التقدم كان صعبا بسبب قلة الذخيرة ،وأصيب إبراهيم أبو دية مع ستة عشر من رجاله بجراح ،هنا اندفع عبد القادر الحسيني لتنفيذ الموقف ،فاقتحم القرية مع عدد من المجاهدين تحت وابل من نبران الصهاينة ومع طلوع فجر الثامن من نيسان ،وقع عبد القادر ومن معه في طوق الصهاينة ،فاندفعت نجدات كبيرة إلى القسطل ،كان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف ،لكن هذه النجدات على كثرتها لم تكن منظمة . عند الظهر تمكن رشيد عريقات من الإمساك بزمام القيادة ، فأمر بتوجيه نيران الأسلحة المتبقية جميعها على القرية لاقتحامها، وبالفعل تمكن المجاهدون بعد ثلاث ساعات من الهجوم المركز من اقتحام القرية وطرد الصهاينة منها حيث فر من تبقى منهم بسيارات مصفحة باتجاه طريق يافا. حاول قادة المجاهدين استثمار النصر، بمطاردة فلول الصهاينة، ولكن العثور على جثمان الشهيد عبد القادر الحسيني، ترك في نفوس المجاهدين وقعا أليما، وساد صفوفهم الارتباك، وفقد القادة سيطرتهم على الأفراد الذين شرعوا في مغادرة القسطل لتشييع عبد القادر الحسيني وعند المساء لم يعد داخل القرية سوى رشيد عريقات وعبد الحليم الجيلاني مع عدد قليل من المجاهدين، وبقي أربعون مناضلاً من المقدسيين بقيادة بهجت أبو غربية، وقد انضم إليهم عصر 8/4/1984 ضابط مصري ومعه ثلاثة مناضلين . وقد اضطر ابو غربية ومن معه لمغادرة المكان بعد أن تعرّضوا لقصف شديد، وبعد أن سمعوا بأنّ هناك مجزرة حدثت في قرية دير ياسين وقد قدّر الصليب الاحمر الدولي عدد ضحايا هذه المجزرة من الرجال والأطفال والنساء بثلاثمائة وخمسين شهيداً . علماً أن من كان من الشبان والرجال هناك قاوم بشدة، وأوقع الخسائر في صفوف مجرمي ” الشتيرن ” و ” الارغون “، المنظمتين الارهابيتين الصهيونيتين .

استشهد عبد القادر صبيحة 8/4/1948، حيث وجدت جثته قرب بيت من بيوت القرية و قام ضابط بوسني مسلم كان مع المهاجمين هو “شوقي بك” ومعه مصفَّحة بحمل جثة الشهيد عبد القادر في مصفحته، وكذلك إبراهيم ابو دية الذي أُصيب في سلسلة ظهره وتوجَّه بهما إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده في باب الحديد… وسمي بطل القسطل، وقد استشهد رحمه الله وهو في الأربعين من عمره، أي في أوج عطائه الجهادي. وارتبطت معركة القسطل باسم شهيدها المجاهد عبد القادر الحسيني .وكانت معركة القسطل رغم الظروف غير المتكافئة مثلا رائعا من أمثلة التضحية والحماسة والاندفاع ولكنها كانت أيضا انتصارا ضائعا نتيجة ضعف التسليح، والافتقار إلى التنظيم وقلة الذخائر وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال. وبينما انشغل المجاهدون في وداع قائدهم الكبير، استغل الصهاينة الفرصة ليقترفوا المجزرة البشعة في دير ياسين.

من أقوال الشهيد الحسيني- إن الشعب الفلسطيني لن يكون وحيداً، لأن له أصدقاء كفاح يؤيدون قضيته وعدالته.- نحن الفلسطينيين أقوياء على الرغم من قلة عددنا، لأننا نؤمن بقضيتنا، ولأننا نعلم أننا مؤيدين من جميع الشعوب التي ليس لها مطامع خفية كحكوماتها، سنقاتل حتى النهاية، وسيقاتل أبناؤنا وأصدقاؤنا من بعدنا، نحن مصممون على القتال. وعندما طلب عبد القادر الحسيني من الجامعة العربية سلاحاً.. فرفضت، قال: جئتكم أطلب سلاحاً لأدافع به عن فلسطين، وأما وقد خُذلت، فأبلغكم أننا لن نرمي السلاح حتى النصر أو الشهادة، أنا ذاهب إلى القسطل، ولن أسأل أحدكم أن يرافقني، لأنني أعرف حقيقة مواقفكم، ولكني أحذركم بأن التاريخ سيكتب أنكم خذلتم الأمة وبعتم فلسطين.. وإن التاريخ لا يرحم أحداً! <جريدة الدستور الاردنية 14/4/2011>.

من ناحية اخرى ولشدة ما نحن فيه من اختراق من قبل الصهاينة، أكد مصور إسرائيلي أن الهاغاناه لا تزال تحتفظ بجواز سفر وخنجر يعودان لقائد جيش “الجهاد المقدس” الشهيد عبد القادر الحسيني، وذلك في معرض تعليقه على كتاب ضمنه عددا من الأسرار حول اختراق العصابات الصهيونية لتلك القوات خلال تلك المرحلة التاريخية من حياة فلسطين والمقاومة الشعبية قبل النكبة.

ففي كتابه “وطني إسرائيل” يروي يسرائيل نيتح كيف انضم كجاسوس مندس باسم مستعار إلى قوات الجهاد المقدس بتكليف من قوات الهاغاناه وشارك في معركة القسطل ونهب بعض الأغراض الشخصية للحسيني بعد لحظات من استشهاده. ويزعم في كتاب سيرته الذاتية أنه انضم إلى الهاغاناه وانتحل اسما عربيا هو إبراهيم السيد، قبل البدء في أداء وظيفته باختراق فرق المجاهدين وجمع المعلومات الاستخباراتية بمساعدة رجل مقدسي يدعى محمود وكان يقيم في مدينة يافا وتم تجنيده في صفوف الهاغاناه. ويروي المؤلف الإسرائيلي كيف التقى الحسيني لأول مرة مطلع عام 1948 عندما دخل برفقه “محمود” صالون أحد المنازل حيث تم تقديمه للحسيني على أنه مصور.

ويتابع نيتح “في اليوم التالي توجهنا إلى كفار عصيون بشاحنات وكان الثوار العرب يرتدون العباءات والكوفيات.. هناك انقسم الثوار إلى مجموعتين واحدة من المقدسيين وأخرى من الخليل بقيادة عبد القادر الحسيني ومحمد علي الجعبري”. ويقول الكاتب إن نشره صور المجاهدين في الصحف الفلسطينية ساعدته على التقرب منهم وكسب ثقتهم وتعزيز مكانته بينهم حتى بات جزءا لا يتجزأ منهم.

عن (الجزيرة نت) موضوع الشهيد الحسيني

بعد استشهاده

وفي حديث للجزيرة نت قال نيتح إنه كان يجلس في مقر عبد القادر الحسيني يوم بلغه نبأ سقوط بلدة القسطل في غرب القدس بيد القوات الصهيونية التي انتقلت من الدفاع إلى الهجوم لاختراق الطريق نحو القدس في عملية “نحشون” يوم 4 أبريل/ نيسان 1948.

وأضاف “كنت شاهدا على لقاء الحسيني قادة المجاهدين وهو يشرح لهم تفاصيل العملية المضادة التي بدأت يوم 7 أبريل/ نيسان مستعينا بخريطة، فصورته ولم أكن أعرف أن هذه صورته الأخيرة”. وكشف نيتح أن عبد القادر الحسيني استشهد في تلك الليلة فاغتنم فرصة وجوده بالقرب منه وسارع إلى تفتيش ملابس الشهيد بحثا عن وثائق، قبل أن يسرق خنجره وجواز سفره وخاتم الزواج، لافتا إلى أن جميع هذه الأشياء لا تزال محفوظة حتى الآن في متحف الهاغاناه بتل أبيب. يشار إلى أن بعض الروايات الفلسطينية تتحدث عن استشهاد الحسيني اغتيالا من الخلف على يد بعض الجواسيس المندسين في قوات الجهاد المقدس.

الشهيد الحسيني

وتتفق الروايات الفلسطينية على أن عبد القادر الحسيني استشهد إثر إصابته بطلقات نارية أثناء معركة الدفاع عن القدس والمعروفة بمعركة القسطل وهو في الأربعين من عمره.

ويفيد الدكتور مصطفى كبها المتخصص في التاريخ الفلسطيني أن الحسيني نصب قائدا لقوات الجهاد المقدس طبقا لقرارات اتخذتها الهيئة العربية العليا برئاسة المفتي الحاج أمين الحسيني من منطلق معارضتها دخول جيوش عربية إلى فلسطين، وبادر بتشكيل جيش فلسطيني كان عماده قادة ومقاتلي فصائل ثورة 1936-1939.  ويستذكر كبها في تصريح للجزيرة نت أن الشهيد عبد القادر الحسيني تخرج من الكلية العسكرية في بغداد مع ضباط فلسطينيين آخرين منهم حسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف وعبد الرحيم محمود وأكرم زعيتر وانضم جميعهم إلى ثورة رشيد عالي كيلاني عام 1941.

ولفت الانتباه إلى أنه تم إلقاء القبض على الحسيني بعد فشل الثورة المذكورة ونجا رفاقه، حيث سجن سنتين وأفرج عنه بعدما ساءت صحته وتدخل بعض زعماء العرب ليعود إلى فلسطين عام 1946 في نفس الفترة التي ولد فيها ابنه الراحل فيصل الحسيني في بغداد.

ويؤكد كبها أن استشهاد عبد القادر الحسيني انعكس سلبيا على معنويات كل الشعب الفلسطيني وعلى تماسك الجبهة الداخلية بعدما بنيت آمال كثيرة على “جيش الجهاد المقدس”. وأضاف “باستشهاده تعرض لضربة قاصمة وما لبث أن تعرض لأخرى باستشهاد القيادي حسن سلامة قائد منطقة المركز في هذا الجيش في معركة راش العين يوم 31 مايو/ أيار 1948”.

مؤلف الكتاب نيتح يعرض مجموعة صور

 

 

 

 

http://www.falestinona.com/OurPalWebSite/ArticleDetails.aspx?ArticleId=330

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2008/4/9/%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%ba%d8%a7%d9%86%d8%a7%d9%87-%d8%aa%d8%ad%d8%aa%d9%81%d8%b8-%d8%a8%d9%85%d9%82%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%b4%d8%ae%d8%b5%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b4%d9%87%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86%d9%8a

Standard
Uncategorized

أبو جلدة والعرميط

                                                                            أبو جلدة والعرميط

في عام 1932، حينما سئل الشيخ عزّ الدين القسام عن رأيه في أهل الشعراوية في جبل نابلس، الذين يقطعون الأشجار ويسممون الحيوانات وينعتهم الناس بالحرامية وقطاع الطرق، فأجاب: دعهم يعملون لأن في عملهم رجولة سنحولها في يوم من الأيام إلى جهاد، وما دام المستعمر يرغب في إماتة نفوسنا، فإن هؤلاء أقرب إلى الله، وإلى حب الجهاد من المستكينين”.

“……وراح البوليس اليافي يفتش الغرفة بينما كان ركس “مدير بوليس القدس” يلهينا بأحاديثه التافهة، إلى أن صاح أحدهم: وجدتها.. لقد عثرت على مناشير تحت الفراش. وكانت هذه المناشير المدسوسة هي التهمة “الحسية” الوحيدة لاستصدار أمر بالتوقيف والإحالة إلى المحكمة، غير أن هذه التهمة بحد ذاتها غير كافية لحمل المحكمة على إصدار حكم قاس بحقنا. فالمتهمون بحيازة المناشير السرية وتوزيعها يحكمون بالسجن من ثلاثة إلى ستة أشهر”.

الحادثة السابقة مقتبسة من مذكرات الثائر الفلسطيني نجاتي صدقي (1905-1979) والذي اعتقل في تشرين الثاني من العام 1931، عقب مشاركته في إحدى اجتماعات الحزب الشيوعي في فلسطين. في الفصل الخامس من مذكراته يروي نجاتي ظروف اعتقاله في سجن القدس المركزي. وفي مساحة لم تتجاوز النصف صفحة يكتب عن تعرفه على شخصيتين من أهم الشخصيات التي سببوا الأرق الدائم لحكومة الانتداب الفلسطيني.

“أبو جلدة” و “العرميط” تلكما الشخصيتان المغيبتان بطريقة أو بأخرى عن أشهر وأبرز روايات التاريخ الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. ينقل لنا صدقي جزءاً بسيطاً من روايتهما ولا يساورك شك وأنت تقرأ أن مقولة القسام أعلاه تنطبق عليهما بحذافيرها. يضاف إلى ما كتبه نجاتي صدقي ما كتبه الشاعر هارون هاشم رشيد، والذي أعاد سيرة هذين البطلين إلى الحياة في كتاب عنوانه “أبو جلدة والعرميط: ياما كسّرا برانيط، حكاية حقيقيّة من بطولات المقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة”.

زعران ياما كسروا برانيط “أبو جلدة والعرميط”:

قد تبدو الألقاب السابقة وكأنها تخص أصحاب جرائم وسوابق أو ما يحب أن يطلق عليه الفلسطينيون أحياناً لقب “زعران” وهو اللقب الذي يتماشى مع رواية الانتداب البريطاني الذي حاول تشويههما، وصوّرهما كقاطعي طريق شقيين، وألصق بهما أعمالاً لا تنسجم مع شهامتهما، وأخلاقهما التي ورثاها من أسرتيهما الفلاّحيتين ،ومن تأثرهما بدعوة الشيخ عّز الدين القسّام عقب سماعهما إحدى خطبه في مسجد الاستقلال في حيفا.

أبو جلدة والعرميط فلاحان فلسطينيان أسسا نواة خلية ثورية لمقاومة الانتداب البريطاني في فلسطين. وتعود جذور أبو جلدة إلى بلدة طمون شرقي نابلس، بينما رفيقه أبو العرميط من قرية بيتا جنوب نابلس. وقد ولد صالح أحمد مصطفى العرميط في بلدة بيتا نهاية الحكم العثماني لفلسطين، وكان وحيداً لوالديه وعُرف بنشاطه وحيويته وجرأته مُنذ الصغر وكان يُعد الأقوى بين أبناء جيله وأقرانه.

من ناحية فيزيائية للعرميط جسم ممتلئ متين ذو بأس وقوة. وكان يعمل بالزراعة والفلاحة كسائر عائلته وأهل بلدته. وقد وصفه صدقي نجاتي في مذكراته: “رجل قوي البنية، شديد البأس، عينه أبو جلدة نائباً له مُطلق الصلاحيات”.

من هو” الفراري” أبو جلدة:

أبو جلدة هو أحمد حمد المحمود من قرية طمون النابلسية فرّ من الخدمة العسكرية في الدولة العثمانيّة، وعمل عتالاً في ميناء حيفا، وهناك تعرّف بأوفى أصدقائه، ورافقهم في رحلة الثورة على الانتداب البريطاني الذي ما أن سيطر على فلسطين حتى بدأت عمليات الاستيطان وقدوم اليهود إلى فلسطين تتزايد باضطراد، بالترافق مع تسريب الأرض لهم، وتدمير حياة الفلاحين الفلسطينيين بالضرائب الباهظة.

تعرّف أبو جلدة بالرجل المتعلّم المثقّف سليمان العامري وتأثّر به، واستمع لخطب الشيخ عز الدين القسّام في مسجد الاستقلال، وعايش مأساة أهالي قرى مرج بن عامر والأرض التي باعها إقطاعيون من خارج فلسطين، وطرد منها سكّانها، فحقد على السماسرة، وعلى الصهاينة، وازداد كرهه للإنجليز أصل البلاء في كّل ما يصيب أهالي فلسطين، وبخّاصة الفلاحين.

يصف نجاتي صدقي أبو جلدة بأنه رجل نحيل الجسم، قصير القامة، ومن أجل أن يبعد عنه وعن رجاله تهمة الشقاوة ارتدى لباساً عسكريّاً، وقد زيّن كتفيه بسيفين وثلاثة نجوم، وجّر سيفاً صقيلاً طويلاً له يد مذهّبة.

العرميط يشرب شاي الضابط البريطاني:

مع نهاية العشرينات التحق صالح العرميط برفيقه وصديقه أبو جلدة وشرعا في أوائل الثلاثينات بتشكيل أولى حركات مقاومة الانتداب البريطاني في فلسطين. وكانت “عصابة أبو جلدة” من أقوى الحركات التي ألحقت أضراراَ بالغة في قوات الانتداب، كما أن “عصابة” أبو جلدة لم ترحم الفلسطينيين الذين ازدادت ثرواتهم في العهد العثماني، والذين أرهقوا الفلاّحين حتى عجزوا عن سداد ديونهم واضطرّوهم للتنازل عن أرضهم. هؤلاء وضعهم أبو جلدة ورجاله في صّف الإنكليز والصهاينة، ووجهوا لهم ضربات قاسية في منطقة (جنين) خّاصةً، ووصلوا إلى ممتلكاتهم، وإليهم شخصيّاً، رغم حماية مستر طومسون رئيس شرطة جنين لهم.

كما كان اسم أبو جلدة مثار رعب لجنود الإنجليز، وكبار جنرالاتهم، وللتابعين محليّاً لهم، فهو يضرب ويختفي، ولا يترك أثراً، ولذلك زرعت عيون لمتابعته، فالعسس والمخبرون وجدوا في كل زمان ومكان، وأجّروا أنفسهم للمحتلين، والأعداء، ولكّل من يدفع لهم.. هؤلاء كرههم هو وصاحبه، وترصدوا لهم، وسددوا لهم ضربات قاصمة، لجعلهم عبرةً يعتبر بها غيرهم من عديمي الضمائر، ولمضاعفة ثقة الناس بهذين البطلين، وما يمثلانه.

هذا الإصرار غير المسبوق استدعى الضباط البريطانيين في نابلس إلى محاولة استمالة العرميط وإغرائه بالعفو العام مقابل تسليم رفيقه أبو جلدة وإرشادهم إلى مكان وجوده، حيث طُلب من خاله (سليم حسن عديلي) إحضاره لمبنى الكشله بنابلس للمقابلة وفق ضمانات للافراج عنه.

وقد ماطل العرميط بالإجابة ليتمكن من الخروج وكي لا يُغدر به ويتم اعتقاله، ومن ذكائه أنهم قدموا له الشاي فامتنع عن شُربه ولما أصروا أخذ الكوب الذي قدم للضابط البريطاني. وعندما فشل الضباط في استمالة العرميط أو الوصول إلى أبو جلدة بدأوا في نشر الإشاعات التي تقول بأنهم لصوص وأشقياء وقطاع طرق وعلى الناس الحذر من عصابتهم، وتبليغ مركز الشرطة عن أي أدلة أو معلومات تفيد في الوصول إلى قائد تلك العصابة.

 العرميط والصلاحيات المطلقة:

وفقاً للروايات الشفوية الشعبية تمتع العرميط بمنصب النائب ذي الصلاحيات المطلقة والعين الحارسة لأبو جلدة، ولم يكن العرميط بحاجة إلى مراجعة أبو جلدة قبل قتل الجواسيس. ومن القصص التي يتم تداولها عن مدى إخلاص العرميط لرفيقه أن الانتداب البريطانيّ جنّد أحد البدو ليلحق بأبو جلدة ثمّ يقوم بقتله أو تسليمه عندما تحين له الفرصة. وبعد شهرين من رفقته لهم حيث تعاملوا معه كواحد منهم ، استغل هذا الرجل نوم الجميع وحاول الغدر بأبو جلده أثناء نومه، فانتبه العرميط للمؤامرة فأنقذ رفيقه. مع فشل البدويّ في اغتيال أبو جلدة كثفت بريطانيا من ملاحقتها لـ”عصابة” أبو جلدة وجندت العملاء للوشاية بهم، ونصبت لهم الكمائن وبذلت كل الوسائل للامساك بهم، ويضاف إلى ذلك إنشاء مراكز بوليس في عدة مناطق منها مخفر البوليس في قرية عقربا.

 طريق الحرامية:

أبو جلدة ورفاقه كانوا على وعي كافٍ للخطر الذي يحيط بهم فعمدوا إلى تغيير أماكن تواجدهم باستمرار والتنقل الدائم بين الشمال والجنوب فمكثوا في غور عقربا بين فصايل والجفتلك مدة طويلة وكانوا في الصيف يختبئون في خربة يانون شمال عقربا.

وقد وجد أبو جلدة والعرميط ورفاقهما المساعدة والعون من قبل الفلاحين، وكانوا يقدمون لهم الطعام والشراب والمأوى والمبيت، وذلك تقديراً لهما على شجاعتهما ومواقفهما المشرفة في مقاومة الاحتلال، وقد كان موقف الفلاحين موقفاً مغايراً لما أراده البريطانيون من خلال نشرهم الإشاعات بأن أبو جلدة قائد عصابة سرقة وقطع الطريق وما كان ل “عصابة” أبو جلدة إلا أن ازدادت شهرة وقوة بسبب دعم الفلاحين الذي كان أثره واضحاً بازدياد العمليات التي نفذتها “العصابة” حيث توزعت عملياتهم بين الغور وجنين ومرج ابن عامر و منطقة الحولة وما حولها حيث توجهت “العصابة” بقيادة أبو جلدة والعرميط هناك لمقاومة اليهود القادمين لفلسطين.

وقد أطلق البريطانيون اسم “طريق الحرامية” على طريق حيفا- مرج بن عامر وهو الطريق الذي اختاره أبو جلدة لانطلاق أعماله الفدائية، مستغلاً جبال المنطقة بكهوفها ومغاورها، وموقعها الاستراتيجي لمباغتة القوات البريطانية والاستيلاء على أسلحتها.

الكمين وخنجر الانتقام:

في العام 1933 وقع صالح العرميط و أحمد المحمود “أبو جلدة” في كمين محكم نُصب لهم بالتعاون مع أحد أقرباء أبو جلدة، وقامت بريطانيا باستدعاء خال العرميط (سليم حسين عديلي) لإخراجه وصاحبه أبو جلدة ومن معهم من المغارة التي اختبئوا فيها . وهكذا اقتيد الأبطال الى الاعتقال وهناك مكثوا في سجن المسكوبية بالقدس بانتظار حكم الإعدام.

في مذكرات نجاتي صدقي، يخبرنا أن (العرميط) طلب من أمّه أن تحضر معها خنجراً في الزيارة القادمة لأنه سيضعه معه في قبره، وسيذبح به الخائن الذي وشى به! بينما كانت أخر كلمات أبو جلدة الذي تقدم إلى حبل المشنقة غير آبه بالضباط البريطانيين “بخاطركم يا شباب.. فلسطين أمانة في أعناقكم.. إيّاكم أن تفرطوا في حبّة رمل من أرض فلسطين”.

على الأقل لا زال أبو جلدة والعرميط جزءاً من الأهازيج الشعبية الفلسطينية والتي تقول إحداها:

قال أبو جـلـدة وأنا الطموني … كـل الأعادي ما بهموني

قال أبو جلدة وأنتا العرميطي .. وأنا إن متت بكفيني صيتي

قال أبو جلدة يا خويا صالح . اضرب لا تخطي والعمر رايح

قال أبو جلدة وأنا العرميطي … والله من حكم الدولة لفظي

وأبو جلدة ماشي لحاله.. والعرميط راس ماله

وأبو جلده والعرميط .. ياما كـسروا برانيط

أبو جلدة والعرميط لم يكونا من أبناء العائلات البرجوازية الكبيرة ليكتبا مذكراتهما وبطولاتهما، فهما كما قال يوماً نزيه أبو نضال حين كتب عن خليل محمد عيسى عجّاك (أبو ابراهيم الكبير) أحد القادة القساميّين لثورة 36-39 : “يعرف القسّاميون بأنهم كانوا أكثر المناضلين نضالاً، وأقلّهم كلاماً، وقد تركوا للباحثين أن يغرقوا في بحار التاريخ بحثاً عن أخبارهم وأعمالهم كما يبحث الغواصون عن اللؤلؤ”.

يقول رشاد أبو شاور: أبو جلدة والعرميط ياما كسّروا برانيط

أبو جلدة والعرميط بطلان شعبيان فلسطينيّان، قاوما الإنكليز، ومع من التحقوا بهما من فلاّحي فلسطين، أوقعوا بقوّات الاحتلال البريطانيّة الانتدابيّة خسائر فادحة. لهما غنّت النسوة في الأعراس، وارتجل المنشدون الشعبيون الأهازيج، وسرت سيرتهما في كّل فلسطين، حتى باتا شخصيتين خارقتين بأعمال حدثت، يبالغ بها أحياناً. الانتداب البريطاني حاول تشويههما، وصوّرهما كقاطعي طريق شقيين، وألصق بهما أعمالاً لا تنسجم مع شهامتهما، وأخلاقهما التي ورثاها من أسرتيهما الفلاّحيتين، ومن تدينهما الفطري، ومن تأثرهما بدعوة الشيخ عّز الدين القسّام الذي سمعاه يخطب في مسجد الاستقلال بحيفا. فيزيائيّاً كانا شبيهي دون كيخوت وسانشو، فهما واحد نحيل قصير، وصاحبه الذي يمكن وصفه بتابعه، ضخم وطويل و..يثق بمعلمه وقائده ويسلّم له أمره .

كان اسم أبو جلدة مثار رعب لجنود الإنكليز، وكبار جنرالاتهم، وللتابعين محليّاً لهم، فهو يضرب ويختفي، ولا يترك أثراً، ولذلك زرعت عيون لمتابعته، فالعسس والمخبرون وجدوا في كل زمان ومكان، وأجّروا أنفسهم للمحتلين، والأعداء، ولكّل من يدفع لهم..هؤلاء كرههم هو وصاحبه، وترصدوهم، وسددوا لهم ضربات قاصمة، لجعلهم عبراً يعتبر بها غيرهم من عديمي الضمائر، ولمضاعفة ثقة الناس بهذين البطلين، وما يمثلانه . وأنا صغير سمعت بقايا ذكر لهما، ثمّ بهت حضورهما وشحب في الذاكرة الجمعية الفلسطينيّة، فهما لم يكونا من أبناء العوائل الكبيرة، ولم يتركا مذكراتهما، ولم يكتب عنها سوى كلام عابر كبطلين شعبيين متواضعي الوعي والأهميّة . من جديد أحياهما كاتب، وقاص، وصاحب تجربة عريضة هو : نجاتي صدقي، في مذكراته التي استخرجها من عتمة النسيان الأستاذ الشاعر حنا أبوحنا ،وصدرت عن مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة في بيروت عام2001 . في السجن التقاهما نجاتي صدقي، فانظر كيف يصفهما بكلام قليل، ينصفهما، ويمسح عن سيرتهما بعض من لحق بها من تشويه متعمّد من حكّام فلسطين الإنكليز المتصهينين :

” تعرفنا في السجن إلى رجلين أشغلا حكومة الانتداب مدة طويلة في حرب العصابات، وهما أبو جلدة والعرميط…”.

لقد ألّف هذان الفلاّحان عصابة لمحاربة الدولة المنتدبة، مثل كثير من العصابات المنتشرة في البلاد، والمؤلفة غالباً من الفلاحين الذين باتوا بلا أرض أو عمل. لقد برز هذا الثائران إثر ثورة 1930، وألّفا عصابة اتخذت من الجبال مجالاً لأعمالها، واصطدمت مع القوات البريطانيّة في غير معركة، وقد أراد زعيمها أبو جلدة، وهو رجل نحيل الجسم، قصير القامة، أن يبعد عنه وعن رجاله تهمة الشقاوة، فارتدى لباساً عسكريّاً، وقد زيّن كتفيه بسيفين وثلاثة نجوم ، وجّر سيفاً صقيلاً طويلا له يد مذهّبة. وماذا عن العرميط الصديق والتابع المخلص الأمين لأبي جلدة ؟!

يصفه نجاتي صدقي كما عرفه في السجن : رجل قوي البنية، شديد البأس، عيّنه أبو جلدة نائباً له مطلق الصلاحيات . نصف صفحة من مذكرات نجاتي صدقي حفظت ذكر ومواصفات هذين البطلين الشعبيين، لكن …

لكن الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد، رأى أن يعيد هذين البطلين إلى الحياة بعد أن ماتا وشبعا موتاً في عمل أدبي ينصفهما ويصون ذكرهما للأجيال، فألّف عنهما كتاباً عنوانه ( أبو جلدة والعرميط ) وتحت العنوان بخّط ناعم : ياما كسّرا برانيط، وبخّط عمودي نقرأ كلماته من فوق لتحت : حكاية حقيقيّة من بطولات المقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة .( صدر عن دار مجدلاوي في عمّان). أمّا البرانيط فهي جمع برنيطة، وهي غطاء الرأس الذي كان يستعمله الجنود البريطانيون، وتكسير البرانيط هو كناية عن تكسير الرؤوس، وهذا العنوان هو مطلع أهزوجة شعبيّة فلسطينيّة سادت في الثلاثينات، وتناقلتها أجيال الأجداد والآباء، وبهتت أصداؤها، وها هوذا صاحب (سنرجع يوماً إلى حيّنا) التي شَدَتْ بها الفنّانة الكبيرة فيروز، يعيدها للذاكرة ، فكفاح عرب فلسطين لم ينقطع على مدى القرن العشرين وهو مفتوح على عقود هذا القرن الحادي والعشرين، حتى يعود الفلسطينيون إلى وطنهم، وتعود فلسطين لأهلها الأوفياء الصابرين المتشبثين بحقّهم. يصف كتابه بالحكاية هارون، وينأى بنفسه عن وصف ما يكتبه بالرواية، لأنه معني بتدوين نّص أدبي دون تصنيف محدد، يحفظ فصلاً من فصول نضال الشعب الفلسطيني، ويعيد ذكرى نفر من أبطاله، أولئك الذين لم يتيسر لهم كتابة تجاربهم، وتقديم شهاداتهم .

أبو جلدة الذي فرّ من خدمة الدول العثمانيّة، يبدو بالفطرة عاشقاً للحريّة، وقمم الجبال، ناقماً على الظلم. اسمه أحمد المحمود من قرية (طّمون)، وهي من قرى نابلس . اشتغل في ميناء حيفا عتّالاً، وهناك تعرّف بأوفى صحبه، ومنهم اختار رجاله للثورة على الانتداب البريطاني الذي ما أن هيمن على فلسطين حتى بدأت عمليات تسريب اليهود إلى فلسطين تتزايد باضطراد، بالترافق مع تسريب الأرض لهم، وتدمير حياة الفلاحين الفلسطينيين بالضرائب الباهظة. تعرّف أبو جلدة بالرجل المتعلّم المثقّف سليمان العامري وتأثّر به، واستمع لخطب الشيخ عز الدين القسّام في مسجد الاستقلال، وعايش مأساة أهالي قرى مرج بن عامر والأرض التي باعها إقطاعيون من خارج فلسطين، وطرد منها سكّانها، فحقد على السماسرة، وعلى الصهاينة، وازداد كرهه للإنكليز أصل البلاء في كّل ما يصيب أهالي فلسطين، وبخّاصة الفلاحين .

لم ترحم عصابة(أبو جلدة) الفلسطينيين الذين اثروا في العهد العثماني، والذين أرهقوا الفلاّحين حتى عجزوا عن سداد ديونهم واضطرّوهم للتنازل عن أرضهم . هؤلاء وضعهم أبو جلدة ورجاله في صّف الإنكليز والصهاينة، ووجهوا لهم ضربات قاسية في منطقة (جنين) خّاصةً، ووصلوا إلى ممتلكاتهم، وإليهم شخصيّاً، رغم حماية مستر طومسون رئيس شرطة جنين لهم .

الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد ذكّر في هذا العمل الأدبي الحكائي السلس والممتع، القريب من القّص الشفوي ،بالمعارك التي خاضتها عصابة (أبو جلدة)، ودهاء الرجل في التخطيط للكمائن المباغتة للقوات البريطانية . الإنكليز أطلقوا اسم (طريق الحراميّة)، على طريق حيفا / مرج بن عامر، الذي اختاره أبو جلدة لنشاطه ورجاله، مستغلاًّ منعة جبال المنطقة بكهوفها ومغاورها، وباغت القوّات البريطانية بالكمائن واستولى على بعض أسلحتها … الحرامية هم أصحاب البلاد الذين يثورون لنيل حريّتهم، وطرد محتليهم القادمين من وراء البحار، الذين يمنحون المتسربين اليهود الذين تستجلبهم الحركة الصهيونيّة بالتواطؤ مع الانتداب البريطاني ليحتلّوا بلاداً ليست لهم! هؤلاء حراميّة وعصاة وأشقياء! و من يقاومون اليوم هم إرهابيون! ..هذا هو منطق بريطانيا الاستعمارية، وأمريكا الإمبرياليّة، وكلتاهما سبب مصائب فلسطين وشعبها ..وهذا ما لا يجب أن يغيب عنا كعرب.

في مذكرات نجاتي صدقي، يخبرنا أن (العرميط) طلب من أمّه أن تحضر معها خنجراً في الزيارة القادمة لأنه سيضعه معه في قبره، وسيذبح به الخائن الذي وشى به! وفي خاتمة الحكاية كما رواها الأستاذ هارون، مشهد شنق البطل أبو جلدة الذي تقدّم إلى حبل المشنقة غير هيّاب ولا وجل … وتكون آخر كلماته :

“بخاطركم يا شباب .. فلسطين أمانة في أعناقكم ..إيّاكم أن تفرطوا في حبّة رمل من أرض فلسطين…”.

وحتى لا يكون تفريط ، ولا تنسى الذاكرة، كتب الشاعر هارون هاشم رشيد الحكاية، بالضبط في هذا الوقت الذي تشتّد فيه المؤامرات على مقاومة عرب فلسطين، وعلى حّق العودة إلى فلسطين.

————————————————————————-

*البرانيط جمع برنيطة، وهي غطاء الرأس الذي كان يستعمله الجنود البريطانيون، وتكسير البرانيط هو كناية عن تكسير الرؤوس، وهذا العنوان هو مطلع أهزوجة شعبيّة فلسطينيّة سادت في الثلاثينات، وتناقلتها أجيال الأجداد والآباء تخليداً لذكرى أبو جلدة والعرميط.

*اقتضى التنويه بأن نزيه نضال قصد بالقسّاميين في هذا التقرير، رجال حركة الشيخ عز الدين القسام الثورية “1936-1939″، وليس أفراد كتائب القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية “حماس.”

*المعلومات الواردة في التقرير اعتمدت على مذكرات نجاتي صدقي، وكتاب هارون هاشم رشيد “أبو جلدة والعرميط: ياما كسّرا برانيط: حكاية حقيقيّة من بطولات المقاومة الشعبيّة الفلسطينيّة”.

يقول موقع “أبو جلدة والعرميط على الفيس بوك:

” لقد تفوق أبو جلده على اثنين من قادة المجتمع وهما المختار والمحافظ”.

لقد تاب أبو جلدة لله تعالى وتحول من قاطع طريق يقتل الأبرياء إلى مناضل ضد الإنجليز المستعمرين والذين أحضروا لفلسطين اليهود في مشروع استعماري (إسرائيل) أكثر إيلاما منهم وظل يقاتل الإنجليز إلى أن قتل على أيديهم مجاهداً في سبيل الله تعالى دفاعاً عن وطنه ودينه وأمته ضد الإرهابيين القادمين من أعالي البحار (الإنجليز) . لقد تحول من الإرهاب إلى مقاومة الإرهابيين الإنجليز.

أبو جلدة.. سهرة تحت التوتة:

روت لي الحاجة أم خليل قصة.. زيارة أبو جلدة لقرية كرمالك ..

” .. مرة قالوا الليلة بدها تيجي سرية أبو جلدة على كفرمالك ، عشان يشجعوا شباب البلد ينضموا للثوار ، اجا أهل البلد وزعوا خرفان على الدور عشان يطبخوا ويعشوا الثوار ، والله يا حفيظلك بالسلامة المغرب التموا اهل البلد عند الجامع تحت التوتة ، كان في توتة كبيرة قصوها بعدبن لما بنوا الجامع ، وصفوا هالناس في الحارة ، وفي البلد ما ظل لا نسوان ولا زلام ، كلهم أجوا على الحارة ، وصرن النسوان يغنين ، وصف الرجال حلقة ، ويطيح أبو جلد بينهم هذا يا خوي ويصير يقول :

شدّوا بعضكم يا ناس       الكسل ما فيه خواص

نحمي الوطن بالرصاص   أحسن م يوخذوه الكفار

وتحيا بلادك سوريا           أهل الهمّة العلية

وأخذوك سبية               والفرنساوي المختار

فلسطين أرض الثبات         وكل الأرض عصابات

رجالك يا فلسطين         للحرب مستعدين

وقسموك الدساتير         وامتنعت كل التجار

عصابة واد البلاط         وتسمع في الدنيا زياط

المندوب عيط عياط       على القائد رحمته

يا غازي اشهد ع الدين   لا تغفل عن فلسطين

جدك الشريف حسين       كانك قايد للثوار

عمك عبد الله الشريف   ع الوطن ما هو لطيف

حكيوا ما بدو توصيف     ما بخاف من الكفار .. “

في العام 1933 وقع الرجلين في كمين محكم نُصب لهم بالتعاون مع أحد أقرباء أبو جلده، وقامت بريطانيا باستدعاء خال العرميط لإخراجه وصاحبه أبو جلده ومن معهم من المغارة التي أحيطوا أثناء اختبائهم فيها . وهكذا اقتيد الأبطال إلى الاعتقال وهناك مكثوا في السجن بانتظار حكم الإعدام .

ومما يؤثر عن صالح العرميط أنه طلب من والدته أن تحضر له في الزيارة الأخيرة خنجراً ليدخله معه في قبره ليطعن الخائن الذي وشى به للاحتلال.

قٌدم الأبطال أبو جلده والعرميط للمحاكمة ونفذ بهما حكم الإعدام في سجن الكشلة في القدس .

وأمة مسعودة العفانة رحمها الله تقول :

هي يا صالح، يا جماعة وشّو تقولوا فيه

هذا صالح ذهب يوسفي يتعنقر فيه

ريت اللي راح للدولة ويدري فيه

يفضح حريمه وكل الناس تدري فيه

https://www.facebook.com/AbwJldhWalrmytYamaKsrwBranyt

Standard
ثوار 1936

أبو ابراهيم الكبير

   المناضل أبو ابراهيم الكبير (… – 1979 م)

خليل محمد عيسى عجاك

قسامي، وأحد قادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة (1936-1939م) كني (أبا إبراهيم الكبير) تمييزا له من القائد الآخر أبى إبراهيم الصغير، وهو توفيق إبراهيم من قرية اندور قضاء الناصرة في مرج ابن عامر.

ولد في أواخر القرن التاسع عشر في بلدة المزرعة الشرقية قضاء رام الله، ثم عمل فلاحا في بلدة شفا عمرو بالجليل وانتقل بعد ذلك إلى مدينة حيفا حيث افتتح حانوتا لبيع الصوف والأكياس.

في مذكراته التي سردها قبل وفاته للكاتب نزيه أبو نضال وصدرت في رام الله سنة 2010 عن منظمة التحرير الفلسطينية، انه وجد نفسه وهو دون سن الخامسة عشرة مضطراً للعمل في الفلاحة، من أجل إعالة أسرته نظراً إلى وفاة والده، وسجن أخيه الأكبر بسبب حادثة دهس، وكان هذا في بداية الحرب العالمية الأولى سنة1914 ، وبقي مسؤولاً عن أسرته إلى أن خرج أخوه من السجن مع انتهاء الحرب سنة 1918 . نضم في حيفا إلى حلقة الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام وشاركه في مراحل جهاده التنظيمي والتنفيذي، ثم اصبح من قادة التنظيم القسامي، وقد ألح على الشيخ القسام بضرورة تدريب أفراد التنظيم على السلاح وتسليحهم، وساهم هو نفسه في إحضار محمد أبو العيون الذي تولى في نهاية جلسة الدعوة تدريب المجاهدين الموجودين، على البندقية الوحيدة المتوفرة آنذاك لديهم.

اتهمته سلطات الانتداب البريطاني بمناوئتها، وفي سنة 1931م انفجرت قنبلة في مستوطنة نهلال الصهيونية الكائنة في مرج ابن عامر، فاعتقل أبو إبراهيم الكبير مع المجاهدين مصطفى علي الاحمد وزوجته واحمد الغلاييني واحمد التوبة وإبراهيم الحاج خليل. وبعد توقيفهم تسعة اشهر حكم على مصطفى الاحمد بالإعدام. ونفذ الحكم فيه، وعلى احمد الغلايني بالإعدام أيضا ثم خفف إلى السجن خمسة عشر عاما، وبرئت ساحة أبى إبراهيم الكبير وبقية المجاهدين في أوائل 1935م.

وحين خرج الشيخ القسام وصحبه إلى الجهاد، كان لأبى إبراهيم الكبير رأي مخالف يدعو إلى التريث حتى تستكمل الأسباب والظروف الموجبة لإعلان الجهاد، وبعد استشهاد القسام، تولى قادة حركته قيادة قطاع الثورة الفلسطينية الكبرى الممتد من شمال فلسطين حتى وسطها، واستلم أبو إبراهيم الكبير قيادة المنطقة الشمالية، وكان يوقع بلاغاته وبياناته باسم “المتوكل على الله، أبو إبراهيم”.

وقد رصدت السلطات البريطانية مكافأة مالية قدرها 500جنيه فلسطيني لمن يرشدها عليه.

وفي فترة توقف الثورة سنة 1937م التقى أبو إبراهيم بالمفتي محمد أمين الحسيني في بلدة قرنايل اللبنانية، وأشار عليه بضرورة استمرار الثورة وعودة قادة الثورة إلى ارض فلسطين وبقائهم فيها لان بُعدهم عنها سيقضي على الثورة ويذهب تضحياتها عبثا.

ولما عاد إلى ارض المعركة واستأنف القتال رفض وقف نقل السلاح إلى فلسطين عبر شرقي الأردن.

غادر أبو إبراهيم الكبير فلسطين عندما توقفت الثورة سنة 1939م إلى دمشق، ثم العراق حيث اشترك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941، وعندما أخفقت هذه الثورة غادر بغداد إلى حلب في سوريا، ثم إلى اليونان فبرلين حيث أقام ما تبقى من سنوات الحرب.

عا إلى فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الثاني وساهم في تعبئة القوى ضد الأطماع الصهيونية، ثم اشترك في القتال قائدا لبعض القطاعات في شمالي فلسطين. عندما صدر قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 ، انخرط في صفوف جيش الإنقاذ قائداً لمجموعة فلسطينية، تحت إمرة أديب الشيشكلي، وقد نشأ نزاع بينهما نتيجة لما اعتبره أبو إبراهيم الكبير تقصيراً وتهاوناً من الشيشكلي، خلال الهجوم على مستعمر جدّين في 21 كانون الثاني/يناير 1948 . وحين وقعت نكبة فلسطين لجأ إلى دمشق، لكنه تعرض لمضايقات من أتباع الشيشكلي، فارتحل إلى عمّان، وبقي فيها إلى أن توفي عن عُمْرٍ يُناهز الثمانين عاماً سنة 1979 . عاش أبو إبراهيم في عمّان فقيراً، وعمل مدة بائعاً متجولاً على عربة صغيرة. سار ابنه صلاح على دربه والتحق بالثورة المعصرة ،وكان مناضلا في صفوفها وتوفي في الاردن في نهاية القرن الماضي.

ترسم مذكرات الكتاب لحياة أبو إبراهيم الكبير صورة مجاهدٍ ذي شخصية عصامية ونزيهة، وصاحب التزام عالٍ في الدفاع عن الوطن العربي بأكمله ضد الغزو الاستعماري الأوروبي، الفرنسي والبريطاني، ويتمتع بدرجة عالية من الحكمة وبُعْد النظر، ممّا جنّبه الوقوع في أخطاء وقع بها قادةٌ آخرون من قادة الثورة، خصوصاً في موضوعي المال واغتيال المشتبه بتعاونهم مع السلطات البريطانية. والمُطّلع على تاريخ الثورة الفلسطينية الكبرى، يعرف أنّ الكثير من قادتها، ومنهم قسّاميون، وقعوا في إحدى هاتين المشكلتين أو في كلتيهما؛ فمنهم من استخدم أساليب الغَصْب والإكراه gللحصول على المال من الفلاحين الفقراء، ومن أهل المدينة سواءً متوسطي الحال أو الأغنياء منهم، فيشير بالنقد إلى كل من عارف عبد الرازق ونائبه فارس العزّوني وجماعتهم، الذين نشطوا في منطقة طولكرم وقلقيلية ومغاريب نابلس، وتورطوا في ممارسات سيئة ضد الأهالي، ومنها غَصْب المال والقتل والتعذيب. والمعروف أنَّ عدداً من قادة الثورة تورّط في عمليات اغتيال لأشخاص لم يكن لهم أية صلة غير شريفة بالإنكليز أو الصهاينة، بل كان قتلهم بسبب معارضتهم لزعامة الحاج أمين الحسيني. الواضح أنّ أبو إبراهيم الكبير، رغم علمه ومساهمته في التخطيط لاغتيال متعاونين كبار مع الإنكليز، مثل حليم بسطة وأحمد نايف، اللذين ساعدا في الكشف عن المجاهدين، وساهما في قتل الشيخ القسّام ورفاقه، إلاّ إنّه وقف ضد اغتيال من لم يثبت تورُّطهم في الخيانة الواضحة، أو من كان بالإمكان ردعهم وإبعادهم عن العمل لمصلحة الإنكليز.

يزودنا أبو إبراهيم الكبير بصورة من الداخل عن وحدة جيش الإنقاذ، التي عمل معها وكانت تحت قيادة القائد السوري أديب الشيشكلي، وهي صورة سلبية بكل تأكيد، فيشير إلى جملةٍ من الأخطاء التي رافقت عمل الجيش في فلسطين، ومنها محاباة الشيشكلي لأخيه وأنصاره في الترقية؛ والتخاذل عن القتال وعدم الالتزام بالخطة المتفق عليها؛ والاستهانة بقدرات الصهاينة العسكرية؛ والقيام بأعمال مخالفة للدين والانضباط العسكري، مثل إقامة حفلة لشرب الخمر في معسكرالتدريب، اشترك فيها الشيشكلي وكبار معاونيه.

Standard