ثوار 1936

محمد سعيد شهاب العاص

سعيد العاص

محمد سعيد شهاب العاص

1889-1936

فارس جبال الخضر

 

ولد محمد سعيد شهاب في مدينة حماه عام 1889، وفيها تلقى دراسته الابتدائية ثم تابع دراسته الرشدية والإعدادية في دمشق ، بعدها التحق بالكلية الحربية في الآستانة (اسطنبول – تركيا) وبعد أن تخرج منها عام 1907 برتبة ملازم ، عين ضابطاً في دمشق ، ثم تنقل بين مراكز عسكرية مختلفة إلى أن التحق بمدرسة الأركان الحربية سنة 1908 . وفي أوائل عام 1910 أخرج من المدرسة المذكورة لأسباب سياسية عربية (كما تفيد الموسوعة الفلسطينية دون أي توضيح آخر) وعين في كتيبة الرماة وغادر مع فرقته إلى البانيا ومنطقة البلقان الخاضعة لحكم الدولة العثمانية ، وشارك في القتال الدائر مع الثائرين ضد الحكم العثماني . في منتصف العام 1911 وقع أسيراً في قبضة اليونان ، إلا أنه تمكن من الفرار من الأسر ، والوصول إلى الآستانة . في هذه الأثناء عمل في التنظيمات العربية السرية كحزب العهد العسكري، وبدأ ينشر مقالات له باسم مستعار.

ويعد العاص من أحد ألمع الشخصيات السورية التي التحقت بالثورة الفلسطينية أمثال محمد الأشمر ونبيه العظمة وعادل العظمة وفوزي القاوقجي وفؤاد سليم ورشيد طليع. ومن بين هؤلاء كان له مجد الاستشهاد فوق أرض فلسطين على غرار ابن وطنه عز الدين القسام. لم يكن سعيد العاص وعز الدين القسام السبّاقيْن إلى النضال الفلسطيني، بل كانا المثال والقدوة معاً، فقبلهما، في سنة 1929، تقاطر كثير من المناضلين الذين حاربوا الانتداب الفرنسي في سوريا إبان ثورة 1925، على فلسطين، والتحقوا بأول منظمة فلسطينية مسلحة لقتال اليهود والبريطانيين، أي «عصابة الكف الأخضر» التي أسسها الفلسطيني أحمد طافش غداة «هبة البراق»، واتخذت من قضاء صفد ميداناً لعملياتها.

وسعيد العاص بطل من أبطال التحرر الوطني، وأحد كبار المناضلين في سبيل الاستقلال، والكفاح ضد الاستعمار. وهو، على غرار أمثاله من قادة التحرير، ولد في مكان، وعاش في أمكنة متعددة، واستشهد في مكان آخر، ودفن في مكان استشهاده، أي في قرية الخضر الفلسطينية. وسارت وراء نعشه جنازة شعبية كبيرة، الأمر الذي جعل سلطات الانتداب البريطاني تمنع نقل أنباء تشييعه إلى بقية بلدان العرب. لقد كان فلسطينياً أبياً وسورياً أصيلاً وعربياً حراً في نهاية المطاف.

الثورة السورية:

التحق سعيد العاص بالجيش العربي (الفيصلي) فور إعلان الحكومة العربية في سوريا، لكنه لم يحتمل خروج الملك فيصل مهزوماً من سوريا على أيدي الفرنسيين بعدما انتخبه المؤتمر السوري العام الذي يمثل الأقاليم السورية كلها (لبنان وفلسطين والأردن والشام) ملكاً دستورياً على البلاد. وكان لمعركة ميسلون الباسلة التي وقعت على أبواب دمشق الشأن الكبير في تفتح وعيه القومي. ومنذ ذلك التاريخ الذي كتبه يوسف العظمة بدمائه ودماء رفاقه، اختار سعيد العاص سبيله وحدد غايته، وهي النضال في سبيل وحدة سوريا وتخليصها من الانتدابين الفرنسي والبريطاني. فطفق يشارك في الانتفاضات التي اندلعت ضد الفرنسيين منذ سنة 1919 إلى جانب الشيخ صالح العلي تارة وإلى جانب عمر البيطار وعز الدين القسام في جبال اللاذقية طوراً، ومع إبراهيم هنانو في نواحي حلب تارة أخرى فضلاً عن وادي فيسان في الهرمل مع حسن طعان دندش. وفي سنة 1921 تمكن من الوصول إلى شرق الأردن بعدما ضيّقت سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا عليه وكادت تعتقله. ولم يلبث أن تطوع إلى جانب الهاشميين للقتال ضد جيش عبد العزيز آل سعود في الحجاز في سنة 1923، وتولى قيادة «لواء النصر» الذي كان بإمرة الملك علي بن الحسين.

 سوريا مرة ثانية:

مع نشوب الثورة السورية الكبرى سنة 1925 عاد إلى سوريا، وشارك في معارك جبل العرب ضد حملة الجنرال غاملان، ثم ساهم في معارك الغوطة والقلمون إلى جوار فوزي القاوقجي وجرح في أثناء ذلك مرتين. وقد عينه سلطان الأطرش قائداً لحملة حمص وحماه سنة 1925، وقاتل إلى جانب الأمير عز الدين الجزائري الذي استشهد في معركة عين الصاحب سنة 1927. وخاض آخر معارك الثورة السورية ضد القوات الفرنسية في غوطة دمشق في نيسان 1927. ولما أصدرت سلطات الانتداب الفرنسي حكماً بإعدامه، وكانت الثورة السورية الكبرى قد أصابها الإنهاك، تسلل مجدداً إلى الأردن مع كثيرين من قادة الثورة ورجالها أمثال عبد الرحمن الشهبندر وعادل أرسلان وفوزي البكري ونسيب البكري وأمين رويحة ونزيه المؤيد العظم ومنير الريس وغيرهم.

 

على أرض فلسطين:

انتمى سعيد العاص، على الأرجح، إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1936. وحين انفجرت الثورة الفلسطينية الكبرى في ذلك العام كان في طليعة الذين التحقوا بهذه الثورة منذ بداياتها الأولى، فدخل إلى فلسطين في أيلول 1936، واتخذ منطقة الخليل ـ بيت لحم، جنوب القدس، ميدانه العسكري، وراح يدرب الناس وينظمهم في وحدات عسكرية، فتمكن من تأليف قوة قوامها 250 رجلاً. وهذه القوة هي نواة «جيش الجهاد المقدس» الذي قاده سنة 1948 عبد القادر الحسيني. أما في سنة 1936 فكان سعيد العاص هو مؤسس وقائد هذا الجيش، وكان عبد القادر الذي كان أطلق للتو من سجن الصرفند، نائبه.  بدأ سعيد العاص منذ وصوله يعمل على تغذية الثورة بأعداد من المتطوعين ، وأخذ يتصل بقرى المنطقة ، ويعد الرجال والعتاد يعاونه في ذلك عبد القادر الحسيني بعد أن كان أطلق سراحه من معتقل أنصار ، وقد استجاب لدعوته مئات من سكان منطقة القدس وأقضية بيت لحم والخليل فقرر القيام بهجوم شامل على القوافل العسكرية الإنكليزية التي تمر في تلك المنطقة. واختار جبال قرية حلحول القريبة من طريق بيت لحم – الخليل مركزاً لتهيئة الهجوم ، ورأى أن يتم ذلك نهاراً ليتمكن من الإجهاز على أكبر عدد ممكن من الجنود ، فعمد إلى إغلاق الطريق العام بالحجارة الكبيرة ثم وزع الثوار إلى ثلاثة أقسام ، رابط القسم الأكبر منها في الجبال ، وتوزع القسمان الآخران جنوبي الطريق بقيادة سالم الشيخ ، وشماليه بقيادة إبراهيم خليفة ، لمنع وصول النجدات إلى القوات المعادية في مسرح القتال . وعلى أرض فلسطين خاض في 24/9/1936 معركة حلحول على طريق الخليل ـ بيت لحم، ضد القوات البريطانية.  ففي الساعة الثالثة من بعد ظهر 24 أيلول 1936 وصلت قافلة عسكرية بريطانية من الخليل فوجدت الطريق مسدوداً بالحجارة ، ولما حاول الجند فتحها إنهال عليهم الرصاص من ناحية المجاهدين الرابضين قرب الطريق . عندها طلب القائد البريطاني النجدة فأسرعت قوة تتألف من ألف وخمسمائة جندي بريطاني ، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى ساحة المعركة إذ تصدى لها المجاهدون الرابضون جنوبي وشمالي الطريق لمنع وصول النجدات وانتصر فيها بعد خمس عشرة ساعة من القتال المتواصل، واستشهد فيها ثلاثة من المجاهدين فقط، بينما سقط للبريطانيين نحو 40 جندياً. وقد طيّرت هذه المعركة صواب الجيش البريطاني، فعمد إلى تجميع أكثر من ثلاثة آلاف جندي، ووضع خطة تطويق محكمة للمنطقة التي يتحرك فيها سعيد العاص. وفي 4/10/1936 تمكنت القوات البريطانية من تحديد مكانه في جبال قرية الخضر وتطويقه بينما كان مع 120 رجلاً من رجاله، وبين هؤلاء عبد القادر الحسيني. وفي 6/10/1936 اندلعت المعركة الأخيرة في المنطقة الواقعة بين قريتي نحالين ورأس أبو عمار. وكان سعيد العاص يخوض هذه المعركة واقفاً وهو يوجه رجاله إلى القتال، فأصيب بثلاث رصاصات، لكنه ظل يطلق النار، إلى أن أصيب في رأسه برصاصة رابعة فخر شهيداً. أما نائبه عبد القادر فجرح وأُسر، لكنه تمكن من الفرار لاحقاً.  وقد اختلفت الروايات في أمر استشهاده فرواية تقول بأنه التجأ إلى كهف وقاوم بمسدسه ، فتكاثر عليه الجند ورموه بالقذائف اليدوية والرشاشات ، ورواية تقول أن استشهاده كان اغتيالاً وغدراً وأن الجاسوس رشدي البرمكي هو الذي أبلغ الجيش البريطاني عن محل الشهيد سعيد العاص وقد قبض على الجاسوس لاحقاً فاعترف بأسماء بقية الجواسيس وأنه تقاضى 35 جنيهاً مقدماً على أن يقبض 500 جنيهاً بعد ذلك . في البلاغ الصادر بتاريخ 10/10/1936 عن “القائد العام للثورة العربية في سورية الجنوبية – فلسطين” فوز الدين القاوقجي (المعروف بـ فوزي القاوقجي) نقرأ في البند الرابع منه ، ما يؤكد الرواية الثانية ، موضحاً أن السلطة الإنكليزية راحت تطلق سراح المجرمين والمحكوم عليهم بالإعدام ، ثم تزودهم بالمال والسلاح وتتركهم يتعقبون الثوار لينضموا إليهم كمجاهدين ، ثم يتحينون الفرص للغدر بالزعماء .

دفن جثمان الشهيد سعيد العاص في قرية الخضر في احتفال شعبي كبير ، وأقيمت له حفلات تأبين متعددة ورثاه كثيرون ، منهم الأديب الشهير أمين الريحاني الذي سماه “فارس الثورات”.

وقد كتب على شاهد القبر:

<ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءً عند ربهم يرزقون>.

ضريح المغفور له المجاهد سعيد العاص ،ولد في حماة بسورية سنة 1889 وقضى حياته مجاهداً حتى استشهد في معركة الخضر في 6 تشرين الأول سنة 1936.

رزق الشهيد سعيد العاص بابنة وحيدة هي سعاد، والدة المهندس سعيد الترك.

المراجع:

  • صقر أبو فخر – تشرين الثاني 2010
  • شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية – 2016
  • الموسوعة الفلسطينية.
  • جريدة “الزوبعة” التي كان يصدرها أنطوان سعاده في الأرجنتين.
  • مجلة “اليرموك” في عددها رقم 13206 شهر مايو (أيار) سنة 1927.
  • مجلة “الشرق” لصاحبها موسى كريّم الصادرة في سان باولو ، وفي العدد 20 تشرين أول 1936

 

Standard