ثوار 1936

القائد يوسف سعيد أبو دُرّةً (أبو العبد)

القائد يوسف سعيد أبو دُرّةً   (أبو العبد)

 ولادته ونشأته:

ولد المجاهد الشيخ يوسف سعيد جرادات، والمعروف أكثر باسم يوسف أبو درة في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين سنة 1900 وتلقى دراسته الأولية في مدرستها. اشتغل في الزراعة لبعض الوقت، ثم انتقل إلى مدينة حيفا حيث عمل في السكة الحديدية.

 الانضمام للثورة:

كان الشيخ عز الدين القسام رحمه الله منارة علم وجهاد في حيفا، قل فيها من الناس من لا يعرفه، وقل من الناس من يأتي إلى حيفا ولا يتعرف عليه، ويتأثر به، وشهيدنا البطل قد تعرف على القسام رحمه الله، وسمع خطبه المنبرية الجهادية على منبر مسجد الاستقلال، وسمع دروسه في المسجد، فصار من تلامذته في العلم والجهاد، فانضم إلى حركة القسام الجهادية. واشترك معه في معركة أحراج يعبد، التي استشهد فيها القسام مع نفر من أصحابه (1935). وقد استطاع أبو درة أن يفلت من الطوق الذي ضربته القوات البريطانية حول الأحراج، بعدما رأى استحالة المقاومة واختفى عن الأعين بعض الوقت. وحين بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى (1936)،التحق أبو درة بها تحت قيادة الشيخ عطية أحمد عوض، قائد منطقة حنين فقام وأصحابه من المقاتلين في المنطقة الممتدة ما بين جنين وحيفا بمهاجمة المستعمرات والقلاع الصهيونية ونسف الجسور ونصب الكمائن للقوات البريطانية والصهيونية. ولقد لمع اسم المجاهد الشهيد أبو درة في فلسطين بشكل عام، وفي منطقة جنين بشكل خاص، إذ استطاع سنة 1937م أن يسيطر على قضاء جنين وما جاوره من قضاء الناصرة وعلى قرى جبل الكرمل.

وعندما استشهد الشيخ عطية في معركة اليامون في مارس 1938 تولى أبو درة قيادة المعركة التي حقق فيها الثوار الانتصار ثم أوكلت إليه قيادة المنطقة خلفا للشيخ عطية، وأصبح واحدا من الخمسة الذين يقودون الثورة في فلسطين. وشارك في الرد على بيان وزير المستعمرات البريطاني المتعلق بسياسة الحكومة البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد (1938). وقد جاء في ختام ذلك الرد بعد تفنيد البيان البريطاني:

هذا وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة مستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة“.

 نشاطاته وعملياته:

نفذ أبو درة ومجموعته عدة عمليات فدائية نوعية كان أبرزها مهاجمة مستعمرة “كفار خاروشت” ليلاً في مطلع 1938 حيث هاجموا سيارة بوليس يهودي وقتلوا عدداً منهم، كما شارك في معركة اليامون الكبيرة والتي تم خلالها التصدي لهجوم يهودي على بلدة اليامون. وتنسب لمجموعة أبو درة القيام بأعمال مميزة من بينها استهداف المستوطنين الصهاينة بعمليات جريئة مثل أسر ثلاثة منهم ينتمون لمستوطنة (جفعات عيدا)، وتمت عملية الاختطاف على بعد نحو كيلو متر واحد عن تلك المستوطنة، واقتيد الثلاثة إلى مقر الشيخ أبو درة وعقدت لهم محكمة ثورية أصدرت بحقهم أحكاما بالإعدام، وتم تنفيذ هذه الأحكام. وكانت عملية الأسر هذه حافرا للثوار للقيام بأعمال مماثلة، ولكن من أهم ما قام به أبو درة ورجاله هو الهجوم على مستوطنة جفعات عيدا نفسها في 10/7/1938 والذي جاء، حتى من وجهة نظر مؤرخي الجيش الإسرائيلي، في إطار ردود الفعل الانتقامية على الأعمال الإرهابية التي نفذها عصابة ايتسل الصهيونية بوضع القنابل والمتفجرات في الأسواق والأحياء العربية مما أدى إلى سقوط المئات من المدنيين الفلسطينيين. وخطط أبو درة ورجاله للهجوم على تلك المستوطنة التي تقع على إحدى سلاسل جبال الكرمل واعتبرت عملية الهجوم على تلك المستوطنة وفق مؤرخي الجيش الإسرائيلي بأنها “من أجرأ العمليات التي نفذها رجال العصابات طوال فترة الأحداث”.

تقدم يوسف حمدان المساعد الأول لأبي درة نحو مائة من الثوار وهاجموا المستوطنة وفق خطة أعدت سلفا ومن أكثر من محور، وحقق الثوار منذ بداية الهجوم، انتصارا موضعيا، وشلوا عمل حراس المستوطنة، ووصلوا إلى داخلها، وقتلوا وجرحوا العديد من المستوطنين ولم ينسحبوا إلا بعد أن بدأت النجدات تصل للمستوطنين. وكانت عملية أبو درة في هذه المستوطنة فاتحة لعمليات جريئة أخرى للثوار في مستوطنات أخرى. وعاد أبو درة إلى أسر المستوطنين، وكان ذلك يثير الذعر في أوساطهم، وفي 16/7/1938 هاجم رجال أبو درة سجن عتليت، بقيادة سليم الصعبي من قرية عين غزال، وفي أثناء ذلك أسروا ستة من عائلة صهيونية، ولم تنجح العصابات الصهيونية أو المحتلون الإنجليز من تحرير الأسرى، وضرب أبو درة مثلا مهما في التفوق الأخلاقي فأطلق سراح ثلاثة من المخطوفين لأنهم أطفال وقدم الثلاثة الآخرين إلى محكمة ثورية قضت بإعدامهم وهو ما نفذه رجال أبو درة.

وفي 19 يوليو 1938 هاجم نحو مائتين من الثوار بقيادة الشيخ يوسف أبو درة سجن عتليت الواقع إلي الجنوب من مدينة حيفا لتحرير السجناء العرب. ابتدأت المعركة باحتلال منزل يبعد عن السجن 300 م من جهة الشمال بينما قام فصيل ثان من الثوار بإطلاق النار على مراكز حراس السجن فقتلوهم. وكمن فصيل ثالث للنجدات الانكليزية القادمة من حيفا، وفصيل رابع اشتبك مع النجدات الانكليزية القادمة من الجنوب وكان من قادة الفصائل ابو شحرور من عرب التركمان وصالح المدبوح من شفا عمرو واستمرت المعركة ثلاث ساعات انحسب بعدها الثوار الى جبل الكرمل بعد ان قتلوا عشرين انكليزي اضافة الى ضابط يهودي حاول الهرب من الثوار. اما خسائر الثورة فكانت شهيدا واحدا من قرية قباطية هو محمد قاسم الشواهين.

كما نفذت مجموعة الشيخ أبو درة في 24 آب/ أغسطس 1938، عملية اغتيال “موفي او موفات” مساعد حاكم لواء منطقة نابلس في جنين. ومما يجدر ذكره أن المستر موفات كان شديداً على أهل فلسطين متحمساً لتهويدها، شرساً في معاملة الأسرى والمساجين من المجاهدين، واستمر في سياسته الحاقدة ومعاملته السيئة على الرغم من الإنذار الذي وجه إليه، والتهديد الذي حذر به، وعلى الرغم مما حدث لعميلهم حليم بسطا الذي كان مساعداً لمدير الشرطة من قتله رمياً بالرصاص، وعلى الرغم مما حدث لحاكم لواء الجليل المسمى أندروز إذ قتله المجاهدون وحارسه الإنجليزي على مسافة أربعة أمتار فقط فخرا صريعين.

وبينما كان المدعو موفات حاكم جنين قد أحاط نفسه بمجموعات من البوليس والجنود يحرسونه، ويحمون مقره بعد أن تلقى إنذاراً من المجاهدين كان هذا نصه:

من القائد الصغير يوسف أبو درة إلى مستر موفات.. إذا لم تحسن سلوكك مع الأهالي خلال ثمانية أيام فسأقتلك.”

ولكن المستر موفات ركب رأسه واستمر في سوءه، بل ازداد شراسة على أهل فلسطين، لأنه صليبي حاقد، اجتمع مع اليهود في كره المسلمين وعداوتهم، ولكنه نقل سكنه إلى معسكر الجيش البريطاني خارج جنين، واشتدت حراسته بالمصفحات، ولم يبق أي احتمال للاعتداء عليه. ولكن القائد المجاهد الكبير الذي أطلق على نفسه القائد الصغير الشهيد يوسف أبو درة كان صادقاً في وعيده، فبعد ثمانية أيام تماماً أرسل إليه اثنين من المجاهدين تسلق أحدهما أنابيب المياه حتى وصل الدور الذي به مكتب المستر موفات، فوجه إنذاراً إلى سكرتيره العربي رأفت الدرهلي، واجتاز غرفته إلى غرفة الحاكم البريطاني وأفرغ فيه رصاص مسدسين كانا معه، واستمر يطلق الرصاص دون أن يجفل أو يخاف، وعاد تاركاً المكان، بينما أخذ رفيقه يطلق الرصاص خارج البناء لتغطية الانسحاب، والحرس في ذهول وارتباك شديدين. جن جنون المندوب السامي، كيف يصرع المجاهدون أركان إدارته التهويدية في فلسطين، فأصدر أمره باعتقال عديد من العلماء والقضاة والأطباء والمحامين والمثقفين ونكلت السلطة بالشعب وزعمائه المجاهدين، فاعتقلت أعضاء اللجان، وعزلت رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، وأبعدت إلى جريرة سيشل نفراً من المجاهدين.

كما هاجم الشيخ يوسف أبو درة ليلة 18 نوفمبر 1938 ومعه نحو مائتين من الثوار ثكنات الجيش الإنجليزي الموجودة في مدينة جنين وقتل عدداً من الجنود الإنجليز، وجاءت على أثر ذلك نجدات إنجليزية من مدينتي نابلس وحيفا تقدر بألفين وخمسمائة جندي واشتبكوا مع الثوار قرب قرية يعبد في معركة امتدت لتشمل منطقة واسعة، واشترك في المعركة طائرات إنجليزية كانت تلقي القنابل على الثوار، وخسر الإنجليز في هذه المعركة عدداً من الجنود فيما استشهد ستة من الثوار.

ومن كبريات المعارك التي خاضها معركة أم الزينات في 28/11/1938 في منطقة الكرمل. وقد كان عدد مقاتليه فيها بضع عشرات وعدد الجنود البريطانيين يتجاوز الألف تؤازرهم 13 طائرة حربية. وأسفرت المعركة عن استشهاد خمسة من الثوار ومقتل عشرات الجنود البريطانيين. وقد سرت شائعة إثرها عن استشهاد أبو درة، فأصدر بيانا وصف فيه المعركة وختمه بقوله:

هذا وإني أعلن ألا صحة مطلقة للإشاعة القائلة أني، أنا يوسف سعيد أبو درة، قد أصبت بضرر ما، فأنا لا زلت بحمد الله أتمتع بالصحة والعافية، وأعاهد الله والرسول على مواصلة الكفاح إلى النهاية حتى تصل الأمة إلى ما تصبو إليه، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا”.

وكان أبو درة ورجاله وراء مئات العمليات الفدائية المتعددة، وكان رأسه مطلوبا لقوات الاحتلال البريطاني، التي جندت العملاء لرصد تحركاته وأرسلت له (المستعربين) لقتله، واستخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي للإشارة لوحداتها الخاصة التي تتوغل في المدن الفلسطينية وتلاحق المناضلين ورجالها متنكرين بملابس عربية. في واقعة وصفها الأستاذ أكرم زعيتر، في يومياته، بالطريفة ومنها عرفنا عن (المستعربين) الإنجليز، يقول زعيتر نقلا عن تقرير رفعه أبو درة أنه في يوم 22/12/1938م كان “القائد الشيخ يوسف سعيد أبو درة وفريق من رجاله في قرية السيلة الحارثية وعددهم 16، إذا بالحرس يشاهدون عددا من الرجال آتين من جهة الطريق العام نحو القرية لابسين العباءات والعقل أي لباس الثوار. ولما اقتربوا صاح بهم أحد المجاهدين “كلمة السر؟” فأجابوه “رهمان” وكانت “رحمان” كلمة السر فأدرك المجاهد هويتهم! وكان اشتباك في معركة توالت في أثنائها النجدات للجنود من جهات أم الفحم ورمانة واليامون، وأسفرت المعركة عن عدة قتلى من الجنود واستشهاد مجاهد. ثم انسحب المجاهدون من القرية، وفي الصباح فتش الجند قرية السيلة بأسلوبهم الوحشي وفرضوا عليها غرامة مالية”.

 قرار المقاومة بلبس الكوفية والعقال:

في عمليات المقاومة الفلسطينية والعمليات البطولية الفدائية الجريئة التي كان ينفذها المقاومون الفلسطينيون وكثيرا منهم ينتمون إلى أصول ريفيه أو في الريف قرويون محاربون شجعان ، كان زيهم الشعبي الفلسطيني في لباس الرأس ، الكوفية والعقال ، ولما يتم تنفيذ إي عملية قتاليه في مناطق الانكليز والصهاينة ينسحب الثائر القروي الفلسطيني ويختفي وهو يلبس الكوفية والعقال ، فيأتي وعلى الفور جلاوزة الانكليز وجندهم ومخابراتهم وترى من يلبس هذا الزى الشعبي القروي من بين الناس فتقوم باعتقالهم والتحقيق معهم وتعذيبهم بسبب زيهم القروي المميز .. على أساس أنهم من الثوار وأنهم من قاد عمليات جهادية . ! ؟ تذمر رجال المقاومة من هذه الثغرة في صفوفهم التي عرفها الانكليز ذهبوا إلى قائد الثورة الفلسطينية في بعض مراحلها يوسف سعيد أبو دره وشكوا له من هذا الأمر حتى يتصرف ويجعل لهم حلاً مناسباً سريعاً ، ولم يجد بد ولا مناص في الحالة المحرجة هذه من أن يصدر أمره الصارم العام بتعميم وجود ولبس هذا الزى على كل من يقيم أو يزور أو يسير في ارض فلسطين العربية من شمالها إلى جنوبها اجل لقد أمر القائد يوسف أبو دره بوجوب لبس الكوفية والعقال من قبل كل الناس والمجتمع ، فتم إصدار الأمر بتاريخ 27 / 8 / 1938 م بإلزام الجميع بلبس هذا الزى وإلا لقي العقاب الصارم من يجدوه يخالف هذا الأمر وهذا الزى. استجاب أبناء فلسطين فلبسوا الكوفية والعقال على رؤوسهم ، وحتى أبناء العاصمة القدس ومدن فلسطين وكل القرى والأرياف ، كلهم استجابوا لهذا الأمر بوجوب لبس هذا الزى لتفويت الفرصة على الجيش البريطاني والقيام بعمليات قتالية دون أن يعرف الانكليز من الفاعل وحتى بعض الأجانب والصحفيين الأجانب وبعض البريطانيين والسواح وبعض السياسيين الصهاينة .. لبسوه أما خوفاً وأما افتخاراً وأما تزلفاً.

بعد انتهاء الثورة انسحب أبو درة إلى دمشق وعاد إلى الأردن، فاعتقله الأردنيون وكان ذلك يوم 25/7/1939م وحسب بلاغ الحكومة الأردنية آنذاك “إن دورية من الجيش العربي كانت تحرس الأنابيب بسبب عطل طرا عليها منذ أسبوع، فقبضت على ثلاثة أشخاص اشتبه بهم، وقد تبين من التحقيق معهم أن أحدهم، يوسف أبو درة، من فلسطين والحكومة تتدبر أمر إقامتهم إقامة جبرية في الكرك”.

 وسلمه قائد الجيش غلوب باشا، للمحتلين البريطانيين، المسؤولين عن كثير من شرور هذا العالم، حسب تعبير الدكتور زياد منى، وأعدموا أبا درة في القدس يوم 30/9/1939.

 تأملات شعرية:

وفي أثناء تنقيب الشاعر الراحل توفيق زياد في آثار شاعر تلك الثورة نوح إبراهيم عثر على موال عن أبو درة نشره في مجلة الجديد الحيفاوية (العددان:11،12 لعام 1970). ويشير توفيق زياد إلى أن أبو درة هو احد القواد الشعبيين لتلك الثورة والذي “تطور من ثائر عادي إلى قائد فصيل، حتى أصبح اشد أولئك القواد سطوة في المنطقة الشمالية من البلاد”.

وينوه زياد، وأنا اتفق معه إلى أن أبو درة وغيره من قادة الميدان “كانوا في نهاية الأمر، خاضعين للقيادة السياسية الفاشلة لتلك الثورة” تقول كلمات الموال الذي كتبه نوح إبراهيم:

فلسطين لا تفزعي، نجمك في السما درة

حولك فوارس يوم المواقع درة

ما يهابوا الموت ولو ما بقي ذرة

ثوار حايزين النصر صيتهم بالدنيا لمع

يهاجموا الأعداء وسيوفهم تضوي لمع

إسلام ونصارى نجمهم بالسماء لمع

يا رب نصرك ما دام رئيسهم أبو درة”.

 المراجع:

  • أسامة العيسة              القدس المحتلة ـ مؤسسة فلسطين للثقافة.
  • مركز المعلومات الفلسطيني – وفا
  • كمال نصار – 2014 مخيم غزة
  • د. محمد عبد القادر أبو فارس – شهداء فلسطين
  • ويكيبيديا

Standard

Leave a comment