ثوار 1936

أبو ابراهيم الكبير

   المناضل أبو ابراهيم الكبير (… – 1979 م)

خليل محمد عيسى عجاك

قسامي، وأحد قادة الثورة الفلسطينية الكبرى سنة (1936-1939م) كني (أبا إبراهيم الكبير) تمييزا له من القائد الآخر أبى إبراهيم الصغير، وهو توفيق إبراهيم من قرية اندور قضاء الناصرة في مرج ابن عامر.

ولد في أواخر القرن التاسع عشر في بلدة المزرعة الشرقية قضاء رام الله، ثم عمل فلاحا في بلدة شفا عمرو بالجليل وانتقل بعد ذلك إلى مدينة حيفا حيث افتتح حانوتا لبيع الصوف والأكياس.

في مذكراته التي سردها قبل وفاته للكاتب نزيه أبو نضال وصدرت في رام الله سنة 2010 عن منظمة التحرير الفلسطينية، انه وجد نفسه وهو دون سن الخامسة عشرة مضطراً للعمل في الفلاحة، من أجل إعالة أسرته نظراً إلى وفاة والده، وسجن أخيه الأكبر بسبب حادثة دهس، وكان هذا في بداية الحرب العالمية الأولى سنة1914 ، وبقي مسؤولاً عن أسرته إلى أن خرج أخوه من السجن مع انتهاء الحرب سنة 1918 . نضم في حيفا إلى حلقة الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام وشاركه في مراحل جهاده التنظيمي والتنفيذي، ثم اصبح من قادة التنظيم القسامي، وقد ألح على الشيخ القسام بضرورة تدريب أفراد التنظيم على السلاح وتسليحهم، وساهم هو نفسه في إحضار محمد أبو العيون الذي تولى في نهاية جلسة الدعوة تدريب المجاهدين الموجودين، على البندقية الوحيدة المتوفرة آنذاك لديهم.

اتهمته سلطات الانتداب البريطاني بمناوئتها، وفي سنة 1931م انفجرت قنبلة في مستوطنة نهلال الصهيونية الكائنة في مرج ابن عامر، فاعتقل أبو إبراهيم الكبير مع المجاهدين مصطفى علي الاحمد وزوجته واحمد الغلاييني واحمد التوبة وإبراهيم الحاج خليل. وبعد توقيفهم تسعة اشهر حكم على مصطفى الاحمد بالإعدام. ونفذ الحكم فيه، وعلى احمد الغلايني بالإعدام أيضا ثم خفف إلى السجن خمسة عشر عاما، وبرئت ساحة أبى إبراهيم الكبير وبقية المجاهدين في أوائل 1935م.

وحين خرج الشيخ القسام وصحبه إلى الجهاد، كان لأبى إبراهيم الكبير رأي مخالف يدعو إلى التريث حتى تستكمل الأسباب والظروف الموجبة لإعلان الجهاد، وبعد استشهاد القسام، تولى قادة حركته قيادة قطاع الثورة الفلسطينية الكبرى الممتد من شمال فلسطين حتى وسطها، واستلم أبو إبراهيم الكبير قيادة المنطقة الشمالية، وكان يوقع بلاغاته وبياناته باسم “المتوكل على الله، أبو إبراهيم”.

وقد رصدت السلطات البريطانية مكافأة مالية قدرها 500جنيه فلسطيني لمن يرشدها عليه.

وفي فترة توقف الثورة سنة 1937م التقى أبو إبراهيم بالمفتي محمد أمين الحسيني في بلدة قرنايل اللبنانية، وأشار عليه بضرورة استمرار الثورة وعودة قادة الثورة إلى ارض فلسطين وبقائهم فيها لان بُعدهم عنها سيقضي على الثورة ويذهب تضحياتها عبثا.

ولما عاد إلى ارض المعركة واستأنف القتال رفض وقف نقل السلاح إلى فلسطين عبر شرقي الأردن.

غادر أبو إبراهيم الكبير فلسطين عندما توقفت الثورة سنة 1939م إلى دمشق، ثم العراق حيث اشترك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941، وعندما أخفقت هذه الثورة غادر بغداد إلى حلب في سوريا، ثم إلى اليونان فبرلين حيث أقام ما تبقى من سنوات الحرب.

عا إلى فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الثاني وساهم في تعبئة القوى ضد الأطماع الصهيونية، ثم اشترك في القتال قائدا لبعض القطاعات في شمالي فلسطين. عندما صدر قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 ، انخرط في صفوف جيش الإنقاذ قائداً لمجموعة فلسطينية، تحت إمرة أديب الشيشكلي، وقد نشأ نزاع بينهما نتيجة لما اعتبره أبو إبراهيم الكبير تقصيراً وتهاوناً من الشيشكلي، خلال الهجوم على مستعمر جدّين في 21 كانون الثاني/يناير 1948 . وحين وقعت نكبة فلسطين لجأ إلى دمشق، لكنه تعرض لمضايقات من أتباع الشيشكلي، فارتحل إلى عمّان، وبقي فيها إلى أن توفي عن عُمْرٍ يُناهز الثمانين عاماً سنة 1979 . عاش أبو إبراهيم في عمّان فقيراً، وعمل مدة بائعاً متجولاً على عربة صغيرة. سار ابنه صلاح على دربه والتحق بالثورة المعصرة ،وكان مناضلا في صفوفها وتوفي في الاردن في نهاية القرن الماضي.

ترسم مذكرات الكتاب لحياة أبو إبراهيم الكبير صورة مجاهدٍ ذي شخصية عصامية ونزيهة، وصاحب التزام عالٍ في الدفاع عن الوطن العربي بأكمله ضد الغزو الاستعماري الأوروبي، الفرنسي والبريطاني، ويتمتع بدرجة عالية من الحكمة وبُعْد النظر، ممّا جنّبه الوقوع في أخطاء وقع بها قادةٌ آخرون من قادة الثورة، خصوصاً في موضوعي المال واغتيال المشتبه بتعاونهم مع السلطات البريطانية. والمُطّلع على تاريخ الثورة الفلسطينية الكبرى، يعرف أنّ الكثير من قادتها، ومنهم قسّاميون، وقعوا في إحدى هاتين المشكلتين أو في كلتيهما؛ فمنهم من استخدم أساليب الغَصْب والإكراه gللحصول على المال من الفلاحين الفقراء، ومن أهل المدينة سواءً متوسطي الحال أو الأغنياء منهم، فيشير بالنقد إلى كل من عارف عبد الرازق ونائبه فارس العزّوني وجماعتهم، الذين نشطوا في منطقة طولكرم وقلقيلية ومغاريب نابلس، وتورطوا في ممارسات سيئة ضد الأهالي، ومنها غَصْب المال والقتل والتعذيب. والمعروف أنَّ عدداً من قادة الثورة تورّط في عمليات اغتيال لأشخاص لم يكن لهم أية صلة غير شريفة بالإنكليز أو الصهاينة، بل كان قتلهم بسبب معارضتهم لزعامة الحاج أمين الحسيني. الواضح أنّ أبو إبراهيم الكبير، رغم علمه ومساهمته في التخطيط لاغتيال متعاونين كبار مع الإنكليز، مثل حليم بسطة وأحمد نايف، اللذين ساعدا في الكشف عن المجاهدين، وساهما في قتل الشيخ القسّام ورفاقه، إلاّ إنّه وقف ضد اغتيال من لم يثبت تورُّطهم في الخيانة الواضحة، أو من كان بالإمكان ردعهم وإبعادهم عن العمل لمصلحة الإنكليز.

يزودنا أبو إبراهيم الكبير بصورة من الداخل عن وحدة جيش الإنقاذ، التي عمل معها وكانت تحت قيادة القائد السوري أديب الشيشكلي، وهي صورة سلبية بكل تأكيد، فيشير إلى جملةٍ من الأخطاء التي رافقت عمل الجيش في فلسطين، ومنها محاباة الشيشكلي لأخيه وأنصاره في الترقية؛ والتخاذل عن القتال وعدم الالتزام بالخطة المتفق عليها؛ والاستهانة بقدرات الصهاينة العسكرية؛ والقيام بأعمال مخالفة للدين والانضباط العسكري، مثل إقامة حفلة لشرب الخمر في معسكرالتدريب، اشترك فيها الشيشكلي وكبار معاونيه.

Standard

Leave a comment